الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ أسابيع تلقيت أكثر من مرة دعوات من قبل بعض الأصدقاء للخروج معهم الى البر أو “الكشتات” كما يطلق عليها السعوديون، وتكثر هذه الطلعات مع تحسن أحوال الطقس وبرودة الجو، خاصة بعد هطول الأمطار الأخيرة في بعض المدن السعودية، وحولت بعض الأراضي الصحراء والتلال والهضاب الى مروج خضراء، واتيحت لي الفرصة الذهاب الى البر خارج النطاق العمراني في مدينة جدة، ومرة في الرياض.
والحقيقة أن الخروج الى البر في المواسم الباردة هي عادة ألفها السعوديون منذ زمن بعيد بل أصبحت جزء من ثقافتهم، ويحرص عليها بدء من قادة هذه البلاد مرورا بالأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال والمواطنون، بل حتى المقيمون في هذه البلاد استهوتهم هذه “الكشتات” ويشاركون السعوديون خروجهم الى البر، وفي السنوات الأخيرة بدانا نلاحظ اهتمام السياح الأجانب لمثل هذه الرحلات.
وعادة الاستعداد لمثل هذه الطلعات والخرجات تحتاج الى استعداد مبكر وترتيبات مختلفة أولا سيارات البيك أب تكفي لتحميلها الاحتياجات الضرورية من فحم أو حطب وخيام وبراميل مياه وأواني الطبخ ومفارش ومولدات كهربائية صغيرة، وتحتاج الى بعض المواشي الحية لذبحها وإعداد الطعام، وبعض الأسر تستخدم السيارات الصغيرة وفق قدراتها وإمكانياتها. ويخصص لها السعوديون ميزانية جيدة لهذه الرحلة، للاستمتاع بالأجواء الباردة.
هذه المرة حينما ذهبت الى البر، وهي منطقة تقع في طريق جدة مكة من جهة طريق هدى الشام، لفت انتباهي تنظيم جديد، وهي أن أمانة جدة سمحت للمستثمرين عمل مخيمات واشترطت عليهم ضرورة توفير وسائل الأمن والسلامة والإضاءة ودورات المياه، ومهدت بعض الأماكن من الكثبان الرملية بحيث تستطيع السيارات أن تسير دون منغصات أو تتعطل وسط الرمال، ورخصت لافتتاح بعض الأكشاك الصغيرة لبيع الاحتياجات الضرورية من ماء وعصيرات والتسالي، والزمت أصحاب هذه المخيمات توفير عمالة لتقديم الخدمات.
ويؤجر هؤلاء المستثمرين هذه المخيمات وهي مضاءة بالوان مختلفة وواضحة يراها المارة بسياراتهم عند المرور من الطريق العام، وسألت صديقي عن قيمة الإيجار لهذه الخيمة، فاخبرني أن خيمة واحدة فقط مع خدمات الإضاءة ودورات المياه، كلفتها لليلة واحدة 350 ريال وهذا في وسط الأسبوع، أما نهاية الأسبوع فسعرها مختلف قد يصل الى 500 ريال لليلة.
بصراحة استمتعت تلك الليلة مع دفء المشاعر بتجمع الأصدقاء وأيضا برودة الجو والهواء الطلق، على مد البصر شاهدت العديد من المخيمات قد تصل الى اكثر من 300 مخيم، وهناك مخيمات للرجال والنساء أو العوائل، وبعض أصحاب المخيمات منهم أقام في حدود مساحته مكان لألعاب الدراجات الهوائية والنارية للترفيه للأطفال، و زود بالألعاب التي تتناسب الأطفال.
إذا افترضنا أن الإنفاق اليومي على المخيمات التي يتم استئجارها في منطقة واحدة لا تتجاوز 300 ريال في اليوم، نضيف عليها مصاريف اكل ومشرب واحتياجات تخييم، يعني لا يقل عن 150 الى 250 ريال للفرد إذا افترضنا مساحة مخيم تكفي 30 شخص، ما يعني أن مخيم واحد ينفق نحو 5 الاف ريال، إجمالي ما ينفقه الناس في منطقة واحدة تضم مخيمات عديدة تصل الى 300 مخيم، هذا يعني أن دخل هذه المخيمات يصل الى مليون و400 ألف ريال في اليوم، فما بالك بمناطق مختلفة.
بصراحة سياحة البر أو الكشتات من السياحات المحببة ويمكن أن تكون احد الفعاليات الترفيهية، وهذه الفعالية يجب ألا تبقى بهذه الحالة، بإدخال إضافات وتسهيلات، فمثلا من الصعب أن تصل الى الموقع الذي دعيت له لتشابه الإضاءات والأنوار، ووجود طرق وعرة ولا يمكن أن تستدل لموقع المخيم دون أن تجري اكثر من اتصال بأصدقائك، وبعض الأماكن تفشل فيه الخرائط من إيصالك للمكان المحدد، وهذا يعني أن المكان يحتاج الى تحسين مداخل ومخارج وترقيم لبعض الطرق بحيث يستطيع رواد البر الوصول الى مواقعهم بسهولة وإقامة أبراج لتقوية شبكات الهواتف وخدمات الأنترنت.
وطالما أن الخروج للبر لا تكون إلا في المواسم وقت الأجواء الباردة والربيع واخضرار الأرض، يتطلب من الجهات المعنية مثل الترفيه والسياحة والبلديات أن تعطي لسياحة البر المزيد من الاهتمام ومنحه المزيد من الجمال والتنسيق وإدخال عناصر جذابة، مثل متحف صحراوي يبيع منتجات تتناسب مع طبيعة البر وسوق شعبي وإدخال بعض الألعاب الخفيفة، خاصة وان البر يرتادها مختلف الطبقات الاجتماعية، ومحرك رئيسي لقطاع الخدمات والتجزئة والنقل، ورافد مهم لرواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والأسر المنتجة لتقديم خدمات لرواد البر.
طبعا هناك الكثير من الناس الذين يخرجون الى البر وينصبون الخيام وهي متعلقة بالأفراد، وهذه عادة تتطلب اخذ موافقة الجهات الأمنية، إلا انه يعيبها أن الخيام تنصب بطريقة عشوائية وغير منظمة، وتكلفتها عالية بالنسبة للفرد حيث يتطلب تجهيز أو تأجير كل احتياجات البر، بينما تلك الخيام التي يقيمها المستثمرون تخضع لضوابط وشروط وتوفير السلامة والخدمات المطلوبة. وربما تكون أحد الروافد المهمة للزوار والسياح الأجانب، وصناعة جديدة في مجال الترفيه والسياحة ووجه جديد للكشتات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال