الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يرتبط الاقتصاد بالقصص كأحداث ينتجها السلوك البشري بقصد أو دون قصد مثيرة أو غير حقيقية مما يؤثر تدريجيا على الأنشطة الاقتصادية فيما قد تختفي بعضها دون أثر ، يغلب عليها أيضا التشاؤم بدءً باختفاء الوظائف بسبب الأتمتة وبدائل التقنية وانتهاءً بالذكاء الاصطناعي أو انتشار الأوبئة أو الذعر الاقتصادي.
ينظر المنتجون إلى فلسفة إنتاج السلع والخدمات لتعظيم الأرباح من زاوية واحدة فقط وما يتبع ذلك من ردود أفعال تعمل بشكل أو بآخر إلى زاوية أُخرى وهي كيف له أن يحقق ذلك في ظل التعايش مع الأزمات الاقتصادية؟ فيبقى البحث عن أدوات محفزة لتلك الأرباح الشغل الشاغل لهم، وخاصة المطالبة بمزيدٍ من التسهيلات في التمويل أو سداد المستحقات أو حتى المطالبة بتحفيز الطلب وضخ السيولة لتعزيز القوة الشرائية دون النظر إلى ما سيحمله الاقتصاد لاحقاً من أضرار قد تُخل بموازين قوى العرض والطلب وعلاقتهما بارتفاع الأسعار أو معالجة الأزمات الاقتصادية الراهنة.
الحياة منذ القدم هي عملية إنتاجية لم ولن تتوقف لأن محورها الأساسي الإنتاج ثم الاستهلاك في دائرة متصلة ومتواصلة، المنتجون في واقعهم هم أيضا مستهلكون والعكس صحيح لذلك من متطلبات البقاء الاستهلاك والاستهلاك يتطلب إنتاجا بيد أن العملية الإنتاجية تتطور بتطور الحياة فبعد إذ كان النشاط الاقتصادي الأول للإنسان هو الصيد ثم اكتشاف النار أصبح الإنسان باحثاً عن ملاذات آمنة مجتمعية كسلوك بشري فتنوعت من خلالها فرص الإنتاج إلى أنشطة أوسع مما نشأت معها المقايضة وتنوع السلع والأسواق وصولا إلى العصر الحديث الذي بات زاخراً بالعديد من السلع والخدمات التي يتم إنتاجها على مدار الساعة.
البشر هم النوع الوحيد من الكائنات الذين استطاعوا تطوير قدرته الفائقة على العمل وتقسيمه وتنوعه وتوظيف كافة سلوكياته الإنتاجية وفق المتغيرات التي تتسم بالتنوع والتجدد والتطور فأصبحت اليوم هذه المنظومة تشكل شبكة واسعة من الأنشطة الاقتصادية التي تحكمها في المقام الأول سلوكيات الإنتاج والاستهلاك لذلك يشهد عصرنا الحاضر منظورا متطورا أسهم في ظهور المؤسسات الاقتصادية التي لا تتولى إدارة الأسواق فحسب، بل تدير أيضًا الكثير من الشئون الأخرى في حياتنا.
هل هناك إنتاج بلا ثمن؟
في كتابها الموسوم بعنوان: من قام بطهي عشاء آدم سميث؟ تشرح لنا كاترين ماكريل نشاط عمل المرأة الغير مدفوع في المنزل وأنه إذا كان الجزار والفلاح وغيرهما يحصلون على أجر مقابل مساهمتهم الإنتاجية فتحضير عشاء أي رجل، عن طريق زوجته هي المرحلة الأخيرة من السلوك الإنتاجي التي يتم تقديمها دون مقابل. وتشير إلى أن القيمة المنتجة عبر هذا النشاط تم إهمال حسابها وهو ما يعتبره الكثير من الاقتصاديين أحد أهم عيوب حساب الناتج الإجمالي بيد أن أبو الاقتصاد آدم سميث مؤلف الكتاب الشهير “ثروة الأمم” قد قام فعليا بتأسيس أحد المفاهيم السائدة في الفكر الاقتصادي حتى اليوم، وهو مفهوم “الإنسان الاقتصادي” والذي يفصل كثيرا في مسألة السلوك الإنتاجي وفق مفاهيم كلاسيكية كانت الأساس الذي بُني عليه معظم الأنشطة الإنتاجية ولكنه لم يأخذ في الاعتبار المرحلة الأخيرة من إعداد الوجبة، وتقديمها والتي تقوم بها الزوجة في المنزل دون احتساب هذه القيمة وهو ما أشارت إليه الكاتبة كاترين هذا فضلا عن وجود أنشطة اقتصادية أخرى لا تدخل ضمن ذلك مثل تعليم المعلمون والمعلمات لأبنائهم في المنازل أو الأعمال التي يقوم بها الكهربائي أو السباك في منزله دون مقابل وغيرهم.
من هنا فإن أي نشاط اقتصادي يرتبط ارتباطا وثيقا بالسلوك الإنتاجي الإيجابي بهدف تحقيق قيمة مضافة، سواء كانت تلك القيمة يمكن قياسها ماديا أو معنويا او تلك التي تكون بلا ثمن ، في ذات الوقت فإن المستوى السلوكي التنظيمي للعملية الإنتاجية تشهد صياغة الأنظمة والقوانين واللوائح التي تحكم كل ما يتعلق بالمنظمة الإنتاجية ومنسوبيها منذ اللحظة الأولى من إنشائها عطفا على سلوك الموظفين بكافة مستوياتهم الوظيفية مما يمهد الطريق لنشاط إنتاجي يهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج وتوظيف الفرص المتاحة وتحقيق أعلى معدلات الأرباح الممكنة ونجد أن منظمات الإنتاج تشتمل على خصائص النظام المكون من مجموعة من العناصر المتفاعلة مع بعضها البعض والتي هي في حالة تفاعل سلوكي مع بيئتها الداخلية والخارجية.
مجمل القول : تعزيز مفاهيم وفلسفة السلوك الإنتاجي أحد أهم المكونات الأساسية للأنشطة الاقتصادية وفقاً لنظرية الإنتاج والذي يدرس سلوك هذا النشاط الإنتاجي عن طريق استخدام المدخلات المناسبة، من أجل إنتاج المخرجات من السلع والخدمات المتعددة لتحقيق أعلى مستوى من الأرباح فالهدف الأساسي لقيام أي نشاط هو تعظيم الأرباح من هنا تكمن أهمية هذا السلوك كخارطة طريق مهمة في النشاط الاقتصادي، أما فيما يتعلق بقياس الأنشطة الاقتصادية الغير مدفوعة فلا يزال علم الاقتصاد بحاجة ماسة إلى المزيد من الدراسات والبحوث للخروج من هذه المعضلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال