الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استطاع التضخم كعادته أن يفرض تشوهاته المؤلمة في عدد من اقتصادات الدول النامية في آسيا وإفريقيا، التي حاولت إظهار نجاحات نمو أرقام – بجرأة الاعتماد على تخمة المديونية – ولكن بدأت هذه الاقتصادات الهشة في الانكشاف على العالم مع التحديات التي تواجهها اليوم والمتمثلة في صعوبة الاقتراض الإضافي، ومواجهة مواعيد تحصيل فوائد أو أصول ديون مستحقة، وصراع مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الخام والطاقة عالميا.
تمكن التضخم من النيل من داخل هذه الدول، كنتاج طبيعي لسوء تخطيط إدارتها المعتمد على تسارع غير مدروس في الانفاق العبثي المعتمد على مستويات ديون مفرطة، كمحصلة لوقوعها في مطب زيادة المعروض النقدي أمامها و اعتمادها على المساعدات، فكانت نتائج التضخم والدين كارثية التأثير على سعر صرف عملة هذه الدول والمستمر في الانحدار بوتيرة أسرع وأعمق، وهذا يعني عجز في اقتصاداتها العامة أمام الضغط التراكمي الداعم لعملية إضعاف القوة الشرائية وبزيادات متتالية في تكلفة السلع والخدمات وتباعا ينخفض مستوى المعيشة، وجعل دفع الفواتير أكثر صعوبة.
كما أن التضخم عرَّض هذه الدول لكي تكون منكشفة لتدخُّل يعطل نشاطها الاقتصادي لجعلها أقل قدرة على المنافسة دوليا، فمن تبعات هذا الوضع، على سبيل المثال، الحد من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر والحد من قدرة الشركات المحلية للوصول إلى الأسواق الأجنبية وبيع سلعها وخدماتها بالعملة الأجنبية، وهذا يعني تقويض خطير لقدرة الشركات في هذه البلدان على جني الأرباح والبقاء على المدى الطويل، مما قد يؤدي في النهاية إلى انهيار هذه المؤسسات الاقتصادية أو تقزيم مشاركتها في مجمل الناتج المحلي لبلدانها.
ليس أمام هذه الدول سوى وقفة نظام بتجرد والاعتراف بحقيقة أنها بحاجة لتغيير جذري في هيكلة فكرها، حتى تعيد التخطيط وتنفيذ الإجراءات التي ستساعدها في منع – أو على الأقل في تحجيم – الآثار السلبية للتشوهات الحاصلة في اقتصاداتها، بغية حماية أمن مجتمعاتها واستقرار اقتصاداتها من التقويض.
من أجل منع آثار التضخم من تقويض اقتصادات مثل هذه الدول وهو توجه ليس بالهين، من الأهمية بمكان الحفاظ على استقرار اقتصادي كلي مرتفع من خلال تعزيز المؤسسات وتطوير الاقتصاد القائم على السوق، مع سياسات قوية لتعزيز استقرار الأسعار وإيجاد إدارة فعالة للصدمات الخارجية، ومهم أيضا ضمان تنظيم المؤسسات المالية بشكل صحيح بحيث يتم حماية المستهلكين من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسواق، وتبنّي سياسات خالية من أي نرجسية لتشجع تدفق رأس المال وتساعد على التعاطي مع الدين الخارجي بعقلانية، من أجل خلق بيئة للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية المزدهرة.
وضع هذه الدول النامية في المرحلة القادمة صعب جدا، فالتضخم والديون سيأتيان على استقرارها بسبب تآكل ثقة مجتمعاتها والمستثمرين بها، خاصة أنها لا تملك اقتصادات قائمة على مبدأي النمو وهي مسألة علمية، والتنمية وهي مسألة أيدلوجية، لتنعكس مخرجاتها بإيجابية واضحة على مؤشراتها في التنمية البشرية والأمن والاستقرار الاجتماعي، ومستوى الاستقلال الاقتصادي، ومدى تطور التشريعات والتنظيمات والحقوق فيها بما يتطلبه المستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال