الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتَبَر المشتريات العامة من الأساليب الجوهرية لبناء أية منظومةٍ حكوميةٍ مُتَكَامِلَةٍ؛ بالنظر إلى عدم إمكانية تغطية احتياجات الجهات العامة من إمكانيات القطاع العام سواءً من حيث الكم أو الكيف.
فالوزارات والهيئات العامة تَحتَاجُ إلى مجموعةٍ كبيرةٍ من السلع، والخدمات، والمقاولات، والتعهُّدات بما يتجاوز إمكانيات القطاع العام؛ لذا يكون على الجهات العامة التعاقد مع القطاع الخاص لتأمين احتياجَاتِهَا.
وعند الحديث عن المملكة، فإن تطبيق رؤية 2030 على أرض الواقع يتطلَّب السعي نحو أعلى معايير المشتريات العامة؛ لأنَّ الدولة في خِضَمِّ مرحلة انتقالٍ استراتيجيٍّ نحو بيئةٍ إداريةٍ، واستثماريةٍ، واقتصاديةٍ، مُتَطَوِّرَةٍ ومَرِنَةٍ جداً؛ الأمر الذي يحتاج في المقابل إلى تحفيز الجهات العامة على الحركة والبناء، وهكذا تَظهَرُ المشتريات العامة كأسلوب عملٍ محوريٍّ في هذه المرحلة.
وفي الواقع، فإنَّ أكثرَ أسلوبٍ معروفٍ للمشتريات العامة هو المناقصة العامة التي تُعلِن فيها الجهة الحكومية عن حاجَتِهَا لسلعةٍ بمواصفاتٍ فنيةٍ مُحدَّدةٍ وبهامش أسعارٍ مُحدَّدٍ، ثم تُفسِحُ المجال للمتنافسين على المناقصة لتقديم أفضل عرضٍ فنيٍّ بأقلِّ سعرٍ مُمكنٍ.
لكن أسلوب المناقصة الشهير هذا، يتطلَّب -بداهةً- وجود أكثر من متنافسٍ حتى يُقدِّمَ كلٌّ منهم عَرضَهُ؛ أمَّا في حالة عدم وجود هذا الكمِّ من المُتَنَافِسِينَ العارِضِينَ، فكيف يمكن تطبيق المناقصة؟
الأمر الآخر، إذا كانت الجهة العامة بحاجةٍ إلى تجهيزاتٍ فَنيةٍ مُبتَكَرَةٍ مَحمِيَّةٍ ببراءة اختراع، فهنا لا يمكن تطبيق نظام المنافسة؛ لأنَّ العارِض الوحيد القابِل للنجاح هو الشركة التي تَمتَلِكُ براءة الاختراع، وتُنتِجُ التجهيزات الفنية التي تَحتَاجُهَا الجهة العامة، فما هو الحلُّ حينئذٍ؟
الحل الذي جاء به نظام المشتريات العامة الصادر بالرسوم م/128/1440 هو السماح للجهة العامة بالشراء المباشر من صاحب العرض المقبول الوحيد فنياً (مادة 32-2).
وهي حالةٌ استثنائيةٌ جداً، لا تتوفَّر إلاَّ في أضيق الظروف التي تَحتَكِرُ فيه شركةٌ مُعيَّنةٌ إنتاج سلعةٍ أو خدمةٍ مُعيَّنةٍ، أمَّا الحالات الاعتيادية فيَتَوَفَّرُ أكثر من مُنتِجٍ لذات السلعة لكن دون أن يكون لديه القدرة أو الرغبة على الاستمرار في توريدِهَا على دفعاتٍ.
هذه الحالة هي المُتَعَلِّقَةِ بالاحتياجات الدائمة للجهات العامة والتي تتطلَّب مُورِّداً يَتَعَهَّدُ بتقديم السلع أو الخدمات، ليس لمرَّةٍ واحدةٍ كما في المناقصة الواحدة، ولا عبر تقديم سلعةٍ أو خدمةٍ فريدةٍ لا تتوفَّر إلاَّ لديه كما في الشراء المباشر، بل عبر تقديم سلعة أو خدمة على دفعات خلال فترة العقد.
هذه الاتفاقيات أطلق عليها نظام المشتريات العامة تسمية: “الاتفاقية الإطارية”، وعرفها بأنَّها الاتفاقية التي يَتَعَذَّرُ فيها: “تحديد كميَّات الأصناف أو حجم الأعمال أو الخدمات المُتَعَاقَدِ عليها أو مَوعِدِ تنفيذِهَا” (مادة 33).
مثل هذه الاتفاقيات على التوريد المستمر والغامض يَصعُبُ على المورِّدين الصغار القيام بها، كما قد لا يَرغَبُ المُوَرِّدُونَ ذَوُو المراكز المالية القوية القيام بها لِعدَّة أسباب:
بناءً عليه، وبالنظر إلى أهمية اتفاقيات الشراء الإطارية غير المُحدَّدة من حيث الحجم أو الكميات في ظلِّ تنفيذ المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بتحقيق رؤية 2030؛ فقد كان لا بدَّ من مَنْحِ المورِّدين أو مُتَعَهِّدِي المشاريع بعض المُحفِّزَات التي تُشَجِّعُهُم على الدخول في مثل هذه الاتفاقيات ذات هوامش المخاطر المالية المرتفعة مقارنةً بعقود المشتريات العامة التقليدية.
لذا، فقد صَدَرَ قرار مجلس الوزراء رقم 380 بتاريخ 3-6-1444 بهدف إعفاء المُتَقَدِّمِينَ لاتفاقيات الشراء الإطارية من تقديم الضمان الابتدائي البالغ من (1%) إلى (2%) من قيمة العقد (مادة 41-1 نظام)، واعتبار كلِّ أمرِ شراءٍ من الجهة العامة خلال تنفيذ العقد هو الواقعة التي يتوجَّب بموجِبِهَا على المورِّد أو المتعهِّد تسديد ضمانٍ نهائيٍّ يبلغ 5% من قيمة كلِّ أمر شراءٍ على حدة (مادة 61-1 نظام).
وقد صَدَرَ المرسوم الملكي م/82 تاريخ 2-6-1444 بهذا الشأن، الأمر الذي يُخَفِّفُ من تكاليف المورِّدين أو المتعهِّدين الراغبين بالتقدُّم لمناقصة اتفاقيات الشراء الإطارية.
ويَبقَى التفكير في إمكانية إعفاء المورِّدين أو المتعهِّدين من الضمان النهائي أمراً ممكناً ومُلِحَّاً، خاصَّةً بعد حدوث تقلُّبات الأسعار العالمية التي سبَّبتها ارتفاع معدَّلات التضخم العالمية والتي زادت من هواجس المورِّدين والمتعهِّدين، وأضعَفَت من توازن إدارة المخاطر في مُخطَّطاتِهِم الاستثمارية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال