الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تتخذ روسيا أي إجراء مضاد في شهر ديسمبر 2022 عندما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية سقف على أسعار نفطها عند 60 دولار، إلا أنها تحركت عندما فرض سقف مجحف آخر ولكن على أسعار مشتقاتها البترولية.
فاجأت موسكو الأسواق العالمية بإعلان خفض إنتاجها من النفط 500 ألف برميل يوميا ابتداء من شهر مارس 2023 بعد فرض الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع سقف على أسعار المشتقات البترولية الروسية، وذلك للحد من مداخيل النفط ومشتقاته التي قد تستخدمها روسيا لتمويل الحرب مع أوكرانيا.
الصورة الحالية في الغرب قائمة على أن وضع السقف الأول للأسعار على النفط الروسي هو ما أكرهها الآن لاتخاذ مثل هذا القرار بسبب أنها بدأت تواجه صعوبة في العثور على طلب كاف على نفطها الخام، خاصة مع توجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للشرق الأوسط لتلبية متطلباتها من النفط الخام.
مثل هذا الاعتقاد قد يكون غير دقيق، فأسباب روسيا لاتخاذ هذا القرار هو في اتجاه آخر غالباً، فما حصل مع القرار الروسي وإن لم تأخذ الأسعار زخم صعودي للآن، إلا أنها مؤهلة للارتفاع بشكل حاد مع مخاوف تضييقات الإمدادات العالمية مستقبلا، كما أن النفط الروسي يستمر بالتدفق إلى الأسواق الآسيوية حتى مع السقف السعري المقرر بـ 60 دولار، ففي آسيا 19 دولة تمتلك مصافي تكرير نشطة، بطاقة تكرير إجمالية تبلغ نحو 37 مليون برميل في اليوم – حسب أرقام عام 2021 – وسوف تصعد إلى نحو 44 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2026 بمتوسط معدل نمو سنوي يبلغ %1.8، لتلبية الطلب الآسيوي المحلي من المشتقات البترولية والتي تحتاج إلى النفط الروسي أكثر من حاجتها لمشتقاته البترولية.
أما المشتقات البترولية الروسية مثل الديزل والبنزين، وقد دخل القرار الأوروبي بحظر استيرادها حيز التنفيذ هذا الشهر، ودون اكتراث لحقيقة أن مخزونات المشتقات البترولية عالميا تشهد تراجعا تاريخيا حادا، فهناك عوامل تعيق تدفقاتها خارج نطاق أوروبا التي مازالت تستورد غالبيته، ويمكن أن تتأثر صادرات المشتقات الروسية مستقبلا إذا ما نجحت أوروبا في حظر استيراده تماما، مثل أن نقل المشتقات البترولية في ناقلات صغيرة مازال مكلفا ومن الصعب تغيير بوليصة الشحن عند قطع مسافات شاسعة من بحر البلطيق إلى أسواق آسيا و غرب إفريقيا، وإن كانت هناك إشارات تلوح في الأفق بانكماش هذه التكاليف في المستقبل المنظور، ولكن هذا لن يمنع موسكو من العمل بجدية في إيجاد أسواق بديلة لمشتقاتها البترولية.
خفض روسيا لإنتاجها من الخام أتى كقرار فردي، وهو بمثابة رد على العقوبات الغربية على نفطها أولا ومشتقاتها ثانيا، فمع شح الاستثمارات في أعمال المنبع لقطاع الطاقة التقليدية، وإعادة الصين فتح اقتصادها بعد الإقفال المتكرر بسبب جائحة كوفيد-19 – مما يعني عودة نمو الطلب الصيني العالي على النفط – وأثناء محاولة معالجة التضخم المسجل في جميع أنحاء العالم وبخاصة في أوروبا، وأيضا لا يستبعد أبدا أن تُعمّق موسكو هذا التخفيض في غضون الأشهر القادمة، فإنها ترتب للعالم موعدا مع حراك زخم تصاعدي لأسعار النفط، في ظل تحدي نقص إمدادات الطاقة التقليدية في المستقبل بسبب العقوبات الغربية عليها.
في المقابل، وبعد أن تم سحب أكثر من 200 مليون برميل من الخزن الاستراتيجي الأمريكي العام الماضي، نرى عودة السحب كردة فعل لقرار خفض الإنتاج الروسي، فهل سيكون لذلك تأثير على حدوث اختلال لتوازن الأسواق، بالرغم من أنه لم يكن هناك تأثير يذكر العام الماضي، إلا أننا ربما سنرى قريبا بداية إعادة النظر في دور سعر الفائدة للضغط على أسعار النفط هبوطا، ومن كل هذا نستطيع أن نعي جيدا تحذير سمو وزير الطاقة السعودي من الرياض في 4 فبراير الجاري من مغبة مثل هذه العقوبات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال