الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يلعب التاريخ والجغرافيا دورا هاما في حياة الدول، خصوصا عندما نتحدث عن حدود الدولة. حيث أن لهذا العلمين دوراً هاماً في رسم الخطوط الحدودية التي من خلالها تعرف الدولة حدود سيادتها، وبالتالي تفرض سيطرتها في مسائل شتى، من ضمنها مسألة دخول وخروج الافراد والبضائع. ومن هنا تبدأ ادارة العمليات من خلال تطبيق مجموعة من التشريعات و والتي يطبقها العديد من الجهات. لذلك، يعتبر العمل في الحدود من أكثر الأعمال تعقيدا من الناحية القانونية والادارية و العسكرية. من صور هذا التعقيد، هو اختلاف الجهات المسؤولة عن حماية منافذ الدخول و الخروج للدولة. مثلا، يمر من خلال حدود الدولة ومنافذها الأفراد و البضائع، وهذا يعني اختلاف الجهة المسؤولة. فإذا كنا سنتكلم عن الأفراد، فهنا سيتم التركيز على الهوية مثل أن يكون الشخص مواطن للدولة أو مواطن دول مجاورة مرتبطة بمعاهدة مثل مواطني دول مجلس التعاون، أو أن الشخص ممنوح امتيازات إقامة مميزة. وبشكل عام، إن التحكم في حركة الأشخاص هو وظيفة الجوازات التابعة لوزارة الداخلية في السعودية او ادارة الهجرة في دول أخرى. من الناحية الاخرى، تتعلق المهام الأساسية لعمل الجمارك بحركة البضائع وتنظيم عملية مرورها عبر المنافذ الحدودية. أما حماية الحدود، فهي مهمة عسكرية، يتولى امرها جهات عسكرية مثل حرس الحدود. ونظرا لتشعب هذا الموضوع، لعل هذا المقال سيتناول الناحية القانونية لعمل الجمارك المتعلق بحركة البضائع.
كما نعلم، في مايو 2021م، تم دمج الهيئة العامة للزكاة والدخل مع الهيئة العامة للجمارك، وانشاء هيئة الزكاة و الضريبة والجمارك. وكان لهذا الدمج اهداف عديدة، من أهمها ارتباط الإيرادات المالية من الضريبة بالبضائع التي تمر من حدود الدولة، وهذا النوع من الدمج معمول به في كثير من الدول نظرا لوجود ضرائب في معظم دول العالم. ولكن، لا يخفى علينا اهمية حماية حركة البضائع أيضا من أن يتم استغلالها بطرق غير مشروعة. عمل إنفاذ القانون في نطاق الجمارك يعتبر من أكثر القضايا تعقيدا و صعوبة لتشعبه وضخامة كميات البضائع التي تمر عبر المنافذ. مثلا، من ضمن الوظائف المتشعبة لعمل الجمارك الحماية من الأنشطة الإرهابية (وهو دور برز في الولايات المتحدة ، على وجه الخصوص ، بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١) ، وفرض القيود الكمية على الواردات أو الصادرات من سلع معينة او من بلدان معينة ، واكتشاف ومصادرة المواد المحظورة ، وفرض قيود الصحة العامة والصحة البيئية والنباتية والقواعد المتعلقة بالحيوانات المستوردة، سواء كانت للغذاء او الإقتناء، و وضع القيود حول الأنواع المهددة بالانقراض. تطبيق قواعد حقوق الملكية الفكرية. التحقق من حركة النقود التي توحي بوقوع جريمة غسل الأموال وهي من المواضع التي تشكل تحدي كبير لقطاع الجمارك ، كذلك من ضمن الاعمال التي تدخل في نطاق الجمارك تحصيل الإيرادات من الرسوم الجمركية على الواردات، وغيرها من المهام والمسؤوليات المنوطة بهذا القطاع الضخم. نظرا لتشعب هذا القطاع وتنوع الأنشطة التي يمارسها لفرض النظام، فهو يعني أهميته القصوى التي تنعكس على الرفاهية الاقتصادية وعلى مستوى الأمن الوطني الداخلي وأمن منافذها. لذلك من المهم جدا ان يتم الاهتمام بجوانب عديدة في هذا القطاع سواء على صعيد الاستراتيجية التطويرية وسياسات التنفيذ والامتثال، أو على صعيد التطوير التشريعي.
وفي نطاق التطوير التشريعي، نجد أن القانون الذي يحكم عمل الجمارك هو نظام الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي. غطى هذا النظام جوانب كثير ذات اهمية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن من وجهة نظري انه ليس كافيا. اولاً، بسبب اختلاف المساحة وطبيعة المنافذ وحجم الصادرات و الواردات ونوعيتها. ثانيا، اختلاف الهيكلة الإدارية لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا يعني اختلاف الجهات الفاعلة، طريقة التعاون بين الجهات المحلية والخارجية، سلطات الضباط والعاملين في هذا القطاع من أجل أداء أدوارهم في إنفاذ القانون. النظام الموحد استطاع تنظيم جزء كبير من المهام اليومية، مثل سلطة الاستيقاف والتوقيف وسؤال العابرين عبر المنافذ، والاستجواب؛ طلب كشف و عرض البضائع ؛ فحص البضائع، أنواع التجاوزات، وبعض العقوبات للتهريب ..الخ من الموضوعات. ولكن، كل دولة من دول الخليج لديها نظام الداخلي في العمل وسلطاتها المختلفة لإنفاذ القانون و وسائل مختلفة للتعامل مع القضايا ذات العلاقة وطرق مختلفة للتوثيق، فهناك دول تعتمد على النظام الالكتروني وهناك دول تفضل النظام الورقي. وبالتالي، وجود نظام محلي لعمل الجمارك يفترض أن يتماشى مع احتياجات الدولة وهيكلتها. كما انه وفقا لدراسات عديدة حول العالم، أن إدارات الجمارك التي تفتقر لوجود تشريعات خاصة بها، يجعلها تواجه تحديات في حماية منافذها أكبر من نظيراتها في العالم.
وجود قانون موحد لنظام الجمارك بين دول مجلس التعاون الخليجي أمر بالغ الاهمية لتعزيز التعاون بين دول المنطقة، ولكن ايضا يترك مساحة فضفاضة من الناحية التطبيقية والاجرائية لجميع دول مجلس التعاون ايضا، خصوصا ان نوع و حجم الصادرات و الواردات لكل دولة يختلف عن الاخرى، وبالتالي، فالتحديات التي تواجه كل دولة بالتأكيد ستكون مختلفة. مثلا، عملية التحقيق والمصادرة أو حجز البضائع ووسائل النقل ؛ احتجاز الأشخاص المشتبه في قيامهم بأنشطة غير قانونية والتحقيق معهم وتفتيشهم واعتقالهم ؛ والكشف عن الشبكات المعنية، يمكن أن تتشارك الدول في بعض من اجراءتها، ولكن تختلف في اجراءات اخرى، وهذا يعتمد على مساحة الدولة وعلى اختلاف مسؤوليات أجهزة إنفاذ القانون. من الناحية المثالية ، وجود قانون موحد يعتبر امر ايجابي في جله. ولكن في الواقع، يصعب أن يتوافق النظام الموحد مع التشريعات الأمنية والشرطية المحلية.
بالمختصر، نظام الجمارك يفترض أن يتناول مواضيع دقيقة حول مهام ضباط الجمارك المكلفين بوظائف إنفاذ القانون المتخصصة ، بما في ذلك فرق مكافحة التهريب والتحقيق في الاحتيال وعمليات الاستخبارات وما إلى ذلك ، جنبًا إلى جنب مع مسؤولي إنفاذ القانون الآخرين في داخل الدولة و الذين يحتاجون إلى سلطات إضافية لأداء عملهم على أكمل وجه. وتشمل هذه القدرة على القيام بدوريات في المنطقة الجمركية بما في ذلك على الممتلكات الخاصة ، والدخول والبحث عن المباني ، وحمل الأسلحة النارية للدفاع عن النفس ، وتبادل المعلومات مع الاجهزة النظيرة ، والمطالبة بتقديم الدفاتر والسجلات (بما في ذلك السجلات الإلكترونية ) ، واحتجاز هذه المواد كجزء من التحقيق ، على سبيل المثال لا الحصر. في بعض الدول ، وسعت نطاق صلاحيات إدارات الجمارك ليكون لديهم صلاحيات استقصائية جنائية تتطلب سلطات استثنائية ، مثل مراقبة حركة البضائع والأشخاص ؛ البحث عن الأشخاص والمباني والمساكن ؛ التنصت واستخدام عملاء سريين والمشاركة في أنشطة سرية. ومن هنا، عندما يكون هناك نظام واضح، تستطيع إدارات الجمارك تطوير عملها وتطوير منسوبيها، اذ ان وجود نظام يوضح العلاقة بين الجمارك وغيرها سلطات إنفاذ القانون المحلية، ومن ثم الخارجية والدولية يضمن التعاون المحلي والدولي في تبادل المعلومات والدعم، كما يجعل الصورة واضحة أمام العاملين في هذا القطاع عن مهام عملهم بعيدا عن الغموض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال