الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في بداية دراستي لمرحلة الماجستير، في خريف 2017، وبالتحديد في يوم 13نوفمبر المصادف ليوم ميلادي، تلقيت هدية غير تقليدية عبر البريد، كانت الهدية عبارة عن كتاب من أخي الأكبر محمد بعنوان “العمل العميق” للمؤلف “كال نيوبورت”، بدأ تأثير اسم الكتاب عليّ قبل قراءته، كنت أعتبر عنوانهُ كرسالة بحد ذاتها، رسالة فسرتها حسب منظوري الخاص بأنه يجدر بي التركيز على جانب معين في الحياة، والبعد عن التشتت. التركيز على التحصيل العلمي في جانب محدد، التركيز على جانب ثقافي معين، التركيز حينها على أنشطة طلابية و تطوعية محددة، أن أقول “لا” للفرص التي تتاح لي ولكنها لا تنسجم مع أهدافي وطموحاتي، أو أنها فوق طاقتي ووقتي، أن أوازن قدر الإمكان بين النشاط العملي والنظري، وهو من التحديات التي تواجهني دائما، هذا إن استثنيت حاليًّا الحديث عن الأمور الحياتية الأخرى، كالجانب الروحي و العائلي، والصحي، وغيرها، كنت دائما في حالة مد وجزر فيما يتعلق بالموازنة بين القراءة والكتابة والاطلاع (الجانب النظري)، وبين تنظيم البرامج التطوعية والمشاركة في الشأن العام (الجانب العملي)، أرغب في كليهما وأحاول قدر الإمكان عدم التخلي عن أي منهما، وذلك بحاجة لتنظيم وقت صارم، واستراتيجية عمل عميق، تمكنني من إنجاز المهام بكفاءة أعلى، فجاء هذا الكتاب في وقته!
يقدم كتاب “العمل العميق” قواعد ونصائح قيّمة تساهم في رفع مستوى تركيز الفرد في أي نشاط يقوم به وبالأخص ما يتطلب قدراً عالياً من التركيز، يتحدث الكاتب عن أربعة قواعد رئيسية للعمل العميق، لن أذكر جميعها، لكنني سأتطرق لما رسخ في ذهني من نقاط ونصائح.
كانت القاعدة الأولى بعنوان، اعمل بعمق، وهنا يتحدث الكاتب كيف أن هذه القاعدة علمته كيفية تسخير العمل العميق في جدوله اليومي، وبناء طقوس وعادات تهدف لمساعدته في الوصول لأعلى درجات التركيز، يتطرق في هذه القاعدة لعدّة فلسفات ونصائح منها: مضاعفة العمل العميق بالقضاء أو التقليل قدر الإمكان من الالتزامات السطحية، وغير المهمة.
يناقش الكاتب كذلك أهمية مقاومتنا للحظات الشعور بالملل أو التعب قدر الإمكان، مارست منذ صغري كرة اليد بنادي الخليج السعودي ، وأذكر أن إحدى أساليب مدربنا لرفع معدل اللياقة لدينا كلاعبين، كانت إضافة خمس إلى عشر دقائق إضافية عند نهاية التمرين ونحن منهكين، كان يطلب منا اللعب بوتيرة سريعة وقوية مع إلغاء رمية البداية (السنتر) حتى آخر ثانية، وذلك لرفع معدل لياقتنا وتحملنا، حتى نتمكن من اللعب بوتيرة عالية حتى الرمق الأخير في المباريات الرسمية، هذا الجهد الإضافي الذي يبذله أي لاعب رياضي يعزز من لياقته البدنية مع تكرار هذا الفعل، وهو ما نحتاج إليه عند أدائنا لمهمة ذهنية معينة، قد يصيبنا الملل فنريد التوقف وأخذ جولة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يدركنا التعب، فنُنهي ما نقوم به من مهام بدل أخذ قسط بسيط من الراحة والعودة لمتابعة العمل، تراكم مقاومتنا للملهيات والمغريات في ظل الملل أو التعب من عمل معين، يرفع من لياقتنا الذهنية وقدرتنا على الالتزام بشكل عام.
اقترح الكاتب أيضا، التوقف التام عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما لم أقتنع به شخصيا، نعم هناك الكثير منا أدمن هذه الوسائل، البعض قد يقوم بتصفح سنابشات وتويتر وغيرها بشكل مبالغ فيه حتى أثناء دراستهم أو عملهم أو كتابتهم لورقة بحثية مهمة، فهو لا يستطيع مقاومة شعور المتعة الذي يحصل عليه عند دخوله عالم الانستجرام مثلا. شخصياً، كنت دائما أحاول الموازنة، والأخذ بمبدأ لا إفراط ولا تفريط، فوسائل التواصل المختلفة تُشكل أهمية بالنسبة لي، وأراها مفيدة متى ما وضعت حدًّا لاستخدامي لها وانشغالي بها، كنت دائما ما أضع هاتفي بداخل الحقيبة الدراسية عند أدائي لواجباتي الدراسية وقتها، أضعه بعيدًا عن ناظري حين أقوم بأي أمر يتطلب قدراً عالياً من التركيز، ككتابتي لهذه السطور، لكنني لم أفكر قطعا بحذف هذه التطبيقات، فكلٌّ منها له استخدام وفائدة معينة، نعم علينا الحذر من ألا يصل استخدامنا لها لحالة إدمان تعيقنا من أداء واجباتنا الرئيسية في الحياة وتحقيق أهدافنا.
أحد النصائح المهمة أيضا فيما يختص بالعمل العميق، هي وضع وقت ثابت يومي ينتهي معه العمل العميق، في حالة مؤلف الكتاب كان هذا الوقت هو الخامسة والنصف مساءً، بعد أن بدأ العمل منذ الصباح الباكر، ولا يقوم بأي عمل مرتبط بوظيفته كبروفوسور جامعي بعد ذلك الوقت، فهو يعمل بجد وتركيز عالي في كتابة البحوث والتدريس، ثم بعد الخامسة والنصف مساء، يدخل في حالة استرخاء وأداء أعمال أو مسؤوليات عائلية لا تتطلب (عملًا عميقًا)، حتى يريح ذهنه وبدنه ويستعد ليوم آخر مليء بالنشاط والحيوية.
وآخر النصائح هنا هي قول (لا) بذكاء! وذلك عند رفضنا لدعوة معينة لحضور برنامج أو مؤتمر أو نشاط لا نقدر على حضوره لضيق الوقت أو لعدم أهميته لدينا أو لغيرها من الأسباب، يقترح الكاتب هنا، أن نكون واضحين في رفضنا، ولكن غامضين في أسباب الرفض، وهذا مفتاح للابتعاد عن إعطاء معلومات محددة وكافية عن العُذر، تُمكن المتقدم للطلب أو الدعوة من الالتفاف حوله وإيجاد مخرج لك ليتم (تدبيسك) في الأمر!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال