الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مما لا لبس فيه أن المختصين في المجال القانوني يرون أن الصياغة القانونية فنٌ دقيق، وخاصةً فيما يتعلق بالأنظمة واللوائح، وهذا محل اتفاق؛ إلا أن مهارات قراءة تلك النصوص فنٌ أدق وأعمق، فليس كل قانونيٍّ لديه مهارة قراءة النصوص القانونية، علاوةً على أن مهمة الصياغة موكلة إلى الجهات التشريعية، ومفاد ذلك أن القانوني قد يُتجاوزُ عن قلة خبرته بمهارة الصياغة القانونية للتشريعات، ولكن لا يمكننا في المقابل تجاوز ضعف قدراته في تحليل وسبر أغوار النصوص بمعناها الصحيح.
وتبدأ مهارة قراءة النصوص القانونية من فهم الأدوات النظامية، والتي يقصد بها الوثيقة المكتوبة التي صدرت الموافقة فيها على وثيقة قانونية، سواء كانت نظاماً أو لائحة أو ما في حكمهما، وقراءة الأداة النظامية ينطلق من العلم بالموافق عليه، وتاريخ تلك الموافقة، إذ أن التشريع الصادر بقرار الموافقة لا يجوز تعديله إلا من الجهة المصدرة له، وبذات الطريقة التي صدر بها، فلا يمكن أن يعدل قرار وزاري قرار مجلس الوزراء _تحقيقاً لمبدأ التدرج التشريعي_ إضافة إلى معرفة الأسانيد النظامية التي بُنيَّ عليها إصدار الوثيقة القانونية، فاطلاع القانوني المختص يعطيه معرفةً بالسند النظامي الذي بموجبه تم إصدار هذه الوثيقة، وفائدة هذه المعلومة تكمن في التأكد من وجود صفة لمصدر الوثيقة تمكنه من الركون إليها أثناء أداءه لمهام عمله القانوني.
وكذلك من البدهيات أن لبَّ الأداة النظامية بعد الموافقة على إصدار التشريع، هي الأحكام الانتقالية والتوجيهات التي تتضمنها الأداة النظامية، والتي عادة ما تتعلق بآلية تنفيذ الوثيقة القانونية، كإضافة أحكامٍ تعدل حكماً في نظام آخر، أو تعلقه جزئياً أو وقتياً، أو تضع استثناءً على نظامٍ سابقٍ، أو تحيل حكم مسكوت عنه في النظام السابق للاحق، أو اللاحق للسابق، وإدراك ذلك والإحاطة بتفاصيله من شأنه حماية القانوني من الوقوع في خطأ تطبيق نصوص التشريع.
فمثلا عندما نطلع على قرار مجلس الوزراء رقم (٦٧٨) وتاريخ 1443/١١/٢٩هـ القاضي بالموافقة على نظام الشركات، نجد بأنه تضمن أحكاماً انتقالية لتطبيق النظام، منها على سبيل المثال لا الحصر: عدم إخلاله بالأحكام والاختصاصات والصلاحيات المقررة للبنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية، ويتضح من خلال هذا الحكم الانتقالي أن على قارئ نظام الشركات المعرفة التامة بما ورد من أحكام نظامية سبق وأن قررت لتلك الجهات، فإذا ورد نص في هذا النظام وورد ما يتعارض معه في أنظمة تلك الجهات، فيكون الحكم الوارد فيها مقدم على ما يرد من أحكام في نظام الشركات، وأن تطبيق أحكام نظام الشركات على الشركات القائمة عند نفاذ النظام -والذي قضت المادة (٢٨١) من نظام الشركات العمل به بعد (١٨٠) يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية- يكون خلال مدة لا تزيد عن (سنتين)، واستثنى من ذلك ما تحدده كل من وزارة التجارة وهيئة السوق المالية -كل فيما يخصه- من أحكام يجب خضوع تلك الشركات لها خلال مدة التصحيح المقررة، وخلاصة ذلك أن لهذه الجهات إخضاع الشركات القائمة قبل نفاذ النظام لحكم نظامي وارد في نظام الشركات قبل انقضاء مدة السنتين المشار إليها.
وربما يرى البعض أن الحاجة لفهم هذا النص من البدهيات، إلا أن الواقع العملي قد يضع المختص القانوني يتسرع في إبداء رأيه بمعزلٍ عن هذه الأحكام التي هي أساس ومحور النص القانوني، فيقع بسبب عدم إدراكه للأحكام التشريعية الواردة في الأداة في التفسير الخاطئ أو المنقوص، وما يتبعه من إرتباك التفكير والترتيب مما يحول بينه وبين إيضاح المعنى السليم المراد من النص القانوني الذي لا يمكن الوصول إليه دون مراعاة وفهم الأحكام المتعلقة به من جميع النواحي القانونية.. وهلم جرَّا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال