الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على مر العصور كان العلم يُمثل الهوية للحد الذي جعله مقدسًا ، تستطيع كل هيئة تحديد العلم الخاص بهم واختيار الرمز والشكل؛ وبذلك نجد أن الأعلام ليست تقتصر على الدول، بل كان من الممكن أن يكون للنبلاء قديمًا علمًا وشارة خاصة بهم، وإذا لامس الأرض قل شأن البلد، وإذا تم تنكيس الأعلام ، فهذا دليل على الحداد، لذلك كان التعامل مع الأعلام على مر التاريخ بحذر شديد.
ومن هنا نبدأ ليس “مقال” هذا الأسبوع؛ بل تقرير مفصل عن “العلم” بمناسبة يوم العلم السعودي الذي يوافق تاريخ 11 مارس من كل عام.
علم بفتح العين واللام يعني راية، وهي عبارة عن قطعة من القماش منقوش عليها رمز أو رموز للدلالة على قبيلة أو عشيرة أو دولة أو مجموعة معينة. وتختلف الرايات بألوانها وأشكالها من راية لأخرى، ولكل دولة راية تميزها عن غيرها من الدول.
وتأتي الإشارة إلى إن دراسة الأعلام تُعرف بعلم “الفيكسيلولوجية”، وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية “فيكسيلوم” بمعنى علم أو راية، وهذا يدل على أهمية العلم حيث أُفرد له علم قائم بحد ذاته من بين العلوم.
فلقد أصبح العَلَم، جزءًا لا يتجزَّأ من الوطن. بل هو الوطن بأكمله، بكل ما يستوعبه من معانٍ ومضامين، وبكل ما يستثيره من مشاعر جياشة تضيق عنها حدود الجغرافيا أو صفحات التاريخ.
ومن أقوى الإشارات إلى ذلك مشاطرة للنشيد الوطني؛ فهذه المشاطرة تكشف عن توأمة شبه كاملة، بل يتجاوز العلم هذه المشاطرة وذلك بخروجه عن إطار الكلام وانفتاحه على عالم البصر، ما يجعله بمثابة فضاء شاسع الآفاق للرمز، ويعزِّز حضوره منفردًا في المواطن التي تُحجم الحروف عن الوصول إليها.
إن علم الدولة يرمز إلى الدولة، بل هو الدولة بكاملها. فبمجرد رؤيته على مكان يتم التعرف أن هذا المكان أو تلك المنشئة ملك لهذه الدولة، ونرى أعلام الدولة على السفن أيضًا فنعرف من خلاله من أين أتت هذه السفينة؛ وبذلك نجد إن الأعلام تلعب دورًا هامة في السلامة البحرية أيضًا ليس البرية فقط.
علم الدولة له أهمية كبرى، حيث يشير إلى شيء يمثل هذه الدولة ، على سبيل المثال يمكن أن يرمز اللون الأحمر إلى دم الجنود واللون الأخضر إلى الزراعة أو التوحيد، وتختار كل دولة رموز على العلم تمثلها، على سبيل المثال النجوم أو النسر أو السيف .
الأعَلام.. والتاريخ العميق:
يرجع استخدام الأعلام إلى فترات الحرب قديمًا فكانت تُستخدم لتحديد شارات القيادة وجمع الحلفاء في ساحة الحرب، أما الآن تُستخدم الأعلام للإشارة إلى الدولة وتحديد الهوية ، وفي صناعة الأعلام تُعتبر الأنماط البسيطة أساسًا لها مع استعمال ألوان وشعارات تدل على هوية الدولة .
وبالرجوع أكثر إلى التاريخ يعود اختراع العلم إلى شبه القارة الهندية التي تُعرف الآن بالصين حيث إن مؤسس سلالة تشو الصينية في الفترة (1046-256 قبل الميلاد) استخدم الأعلام والرايات البيضاء حيث كانت تتميز بالرموز مثل الطيور والحيوانات وانتشرت التنانين الزرقاء على المراكب، وإن سقط العلم سقط أصحابه مما يُعني هزيمتهم .
فالأعلام تُعتبر الأعلام رموزًا مقدسة وملكية، وسواء على مراكب أو عربات كان للإعلام أهمية كبيرة في الصين وفي مصر القديمة التي استخدمت الحيوانات في رموز الأعلام، ومع مرور الزمن تم تناقل فكرة الأعلام بين القارات إلى إن وصلت إلى أوروبا.
وقامت بعض المجتمعات في القرون الماضية بتزيين الرماح والعتاد الحربي لإظهار الرموز الثقافية الخاصة بهم. واستخدم الناس الأربطة، الجلود أو الحرير على الرماح لتمييز جماعتهم عن الجماعات الأخرى. وكان المستكشفون القدامى يضعون دائماً تماثيل أو علامات عند الوصول إلى أراضٍ غير معروفة، لكنّهم استخدموا لاحقاً الأعلام لإثبات وجودهم أو إظهار السيادة.
من أي حضارة جاءت؟
انتشرت فكرة رفع الرايات والأعلام قديما في بلاد الهند والصين، حيث اختُرع العلم، وكذلك في بورما المجاورة، وسيام، وجنوب شرق آسيا. واستخدم الفارسيون علم ديرافش كافياني، في وقت حكم الأخمينيين من 550 إلى 330 قبل الميلاد. بعد ذلك عُدل العلم في العصر الساساني المتأخر (224-651).
وبالأصل كانت معايير الفيالق الرومانية لا تستخدم أعلام، بل رموز مثل النسر من الفيلق أغسطس قيصر العاشر، حيث تم وضع رمز النسر على عصا حامل لواء العقد في أثناء المعركة. ولكن كان لدى الوحدة العسكرية من داسيا تنين كرمز كان شكله مرنا في ذيل يتحرك في مهب الريح، ولقد نسخت الفكرة الفيالق الرومانية وفي وقت قصير كانت كل الوحدات لديها أساسا الراية المرنة أو العلم بالمفهوم الحالي.
وفي العصور الوسطى، كانت تستخدم الأعلام لمجموعة متنوعة من الأغراض مثل: تحديد هوية أفراد من طبقة النبلاء، أو النقابات، والمدن، والعبادة الدينية، وكذلك لاستخدام الأعلام في المعارك. حيث كانت تستخدم من قبل المجموعات العسكرية أعلام لتحديد الهوية في ميدان القتال وترحيل التعليمات الاستراتيجية. وفي معظم الوقت كان يمكن التعرف على أعلام قادة فرديين: في قارة أوروبا، والتعرف على الملوك والفرسان، في اليابان، في الصين في جنرالات الجيش الإمبراطوري، وفي المكسيك في تحالفات الأزتك.
وبالرجوع إلى السير التاريخية نجد أنه كانت تستخدم الرايات والأعلام من عصر السفن الشراعية فصاعدا، وكانت عادة (في وقت لاحق أصبحت شرطا قانونيا) لسفن النقل وضع الإشارات لتعيين جنسيتهم على شكل راية. وهذه الأعلام تطورت في نهاية المطاف إلى الأعلام الوطنية والأعلام البحرية في الوقت الحاضر. وأصبحت الأعلام الوسيلة المفضلة للتواصل بين السفن في البحر، مما أدى إلى وضع قوانين وأنظمة خاصة بالإشارات البحرية بالرايات والأعلام المختلفة.
وأصبحت الأعلام ليست لتحديد الجنسيات فقط ولكن أيضا للتعرف على الوحدات العسكرية الفردية. وتحولت الأعلام إلى محور كيان وبطاقة شخصية لكل فرد ومواطن.
ومن المؤكد أن العرب في الجاهلية كانوا يستخدمون الرايات في معاركهم، كما يظهر ذلك جليًّا من أشعارهم، التي تُظهر أيضًا أن استخدامها لم يكن مقتصرًا على مضاربهم، بل تجاوزها إلى غيرهم من الأمم كالفرس والروم. لكن المؤرخين يحيلون استخدام الرايات إلى عصر أقدم بكثير.
أما أقدم استخدام للأعلام مع توظيف القماش، فيعود إلى الصين القديمة في عهد سلالة تشو الحاكمة (1046 – 256 قبل الميلاد)، حيث يُنسب إلى مؤسسها استخدامه علمًا بقماش أبيض كان يُحمل أمامه. وهكذا كان استخدام الأعلام بهذا الشكل منتشرًا في الهند في زمن مقارب، ومنهما ربما انتقل إلى أماكن أخرى عبر طريق الحرير.
كما يظهر من لوح الفرعون نعرمر أن الأعلام ربما كانت مستخدمة في مصر القديمة كرمز للجيش أو الدولة، كما تذهب إلى ذلك بعض المصادر. وإذا صح ذلك، فإن استخدام الأعلام يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
الفيكسيلولوجيا:
في الوقت الراهن، يوجد عِلم خاص يُسمى بالفيكسيلولوجيا يختصّ بدراسة الرايات ومنشئها وتاريخها وتطورها، وكل ما له علاقة بها. كما أنه يدرس الأسباب التي تجعل جماعة ما تعرّف نفسها بهذا الشعار أو هذا العَلَم. وهو عِلم حديث نسبيًّا، تطوّر في النصف الثاني من القرن العشرين على يد الدكتور ويتني سميث في جامعة هارفارد.
أعلام اليوم
أما الأعلام الوطنية القومية المُستخدمة اليوم، فأغلب تصاميمها تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، بجذور تاريخية تعود أحيانًا إلى فترات أقدم من ذلك. وهناك على الأقل 193 علمًا وطنيًّا مختلفًا تمثِّل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ولكن بالتأكيد هناك آلاف الأعلام التي يصعب إحصاء عددها للولايات والأقاليم والمناطق داخل الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية والحقوقية، والجامعات والمؤسسات التعليمية، والأندية والألعاب الرياضية.
ويُضاف إلى ما سبق الأعلام التي أنتجتها آلة الإعلام في التلفزيون والسينما، كأعلام “حرب النجوم ”وصراع العروش”، وكذلك الأعلام الشخصية الفردية التي يبتكرها أصحابها لتعبِّر عنهم في الألعاب الإلكترونية المختلفة.
أعلام الدول.. ظاهرة عالمية لهدف واحد وبأساليب مختلفة:
لكل “علم” لأى دولة رمز ولون ومعنى، اختياره لم يأتِ عشوائيا أو صدفة، لكن لون العلم والرمز الذى يحمله له دلالاته، وتحتل الألوان أهمية كبيرة في تاريخ الأعلام، واستخدمت الأعلام في البداية لمساعدة التنسيق العسكري في ميادين القتال، وتطورت مع الوقت إلى أداة عامة بدائية للإشارة وتحديد الهوية، ولا سيما في بيئات معزولة حيت التواصل يكون صعباً.
من الواضح أن الوظيفة الأبرز للأعلام في عصرنا الراهن هو تمثيلها للدول، في إطار النظام الدولي العالمي، بما لها من سيادة ومقدرات ونظام مستقل، وبما تحمله شعوبها من قيم دينية وأخلاقية وثقافية، وما تتماهى معه من رموز تاريخية وحضارية. وما يستحق التأمل أن الأعلام تنهض لأداء هذا الدور الضخم في أغلب الأحيان من خلال تصاميم بسيطة، تعتمد على الدمج بين ألوان وأشكال محدودة، مع حضور بارز لبعض الرموز ذات الدلالات الدينية أو التاريخية، مع وجود محدود للحروف أو الرسوم المعقَّدة. وتكاد تستقر معظم الدول اليوم على الشكل المستطيل لأعلامها، لأسباب تتعلق بالبساطة والتوظيف العملي، لكن هذه القاعدة ليست بلا استثناء، فالاتحاد السويسري ودولة الفاتيكان اعتمدا الشكل المربع في علميهما.
رموز دينية وطبيعية:
وتحضر الرموز الدينية بقوة في الأعلام، كالهلال الذي يحضر في أعلام عدد من الدول الإسلامية، مثل الجزائر وتونس وباكستان وأذربيجان وتركيا وماليزيا، والصليب الذي يبدو حاضرًا بشكل خاص في أعلام بعض الدول الأوروبية.
وهناك أيضًا رموز كونية أخرى تحضر في الأعلام لا تخلو من دلالات دينية أو ثقافية، كالشمس في علم اليابان وبنغلاديش وراوندا والأرجنتين والأوروغواي، والسماء في علم البرازيل.
أما النجمة بمختلف أشكالها فهي الأكثر حضورًا من بين كل الرموز، لكن معنى وجودها يتفاوت بين علم وآخر. فهي مثلًا قد ترمز للتوحيد والوحدة القومية، كما في علم المملكة الأردنية الهاشمية، أو للاتحاد بين أقاليم متعدِّدة، كما في علم الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتضمَّن 50 نجمة ترمز إلى ولاياتها المختلفة، أو لمعنى آخر مختلف، كالإشارة إلى كوكب المريخ الذي يكتسب أهمية تاريخية لدى شعب جمهورية تشيلي.
وللطبيعة الحيوانية والنباتية ببعديها الثقافي والأسطوري حضورها في أعلام بعض الدول، كشجرة الأرز في علم لبنان، وورقة القيقب في علم كندا، والنسر في علم مصر، والتنين الأسطوري في علم ويلز. وبينما يتضمَّن علم المكسيك نسرًا يجلس على رأس نبتة الصبار ويثب بمخالبه ومِنسَره على ثُعبان، نجد ببغاء أرجواني اللون يتوسط علم دولة دومينيكا.
ومع أن حضور الكلام قد يبدو خجولًا في الأعلام عمومًا، حيث يُراد لها أن تُعرب عن نفسها من دون وساطة الحروف، إلا إن بعض الدول تختار إضافة نص أو عبارة تؤكد بها هويتها، وتُعلي بها قيم شعبها، كما هو الأمر مع كلمة التوحيد في علم المملكة، والتكبير في علم العراق. وربما كان جمال الخط العربي وأصالته عاملًا مغريًا مكّنه من أن يجد طريقه على أعلام الدول العربية والإسلامية، لكن حضور الكلمات لا يقتصر على هذه الأعلام، فعلم البرازيل مثلًا يتضمَّن شعار “النظام والتقدم”، بينما يتضمن العلم الإسباني عبارة لاتينية تُشير إلى الأراضي التي اكتشفها كولومبوس.
الألوان ودلالتها:
وتحضر الألوان بأطيافها المتنوِّعة في الأعلام، لكن أكثرها حضورًا هو الأحمر والأبيض والأزرق والأخضر والأصفر والأسود. وغالبًا ما ترمز الألوان إلى قيم ومعانٍ متشابهة تشترك في تقديرها الشعوب المختلفة. فالأبيض كثيرًا ما يُشير إلى السلام والصفاء والعدل، والأحمر للتضحية والصمود ودماء الشهداء. بينما قد يُشير الأزرق إلى مضامين السمو والرفعة والماء والسماء، والأخضر إلى الرخاء والخصب والطبيعة، والأسود إلى الجلال والهيبة والقوة واحترام الشهداء. وبينما تختار بعض الدول لونًا واحدًا ليغلب على علمها، تدمج دول أخرى بين لونين أو ثلاثة أو أربعة في العلم الواحد.
تاريخٌ من الدلالات
ربما يعود طيف من هذه المضامين والدلالات التي يزخر بها العَلَم في الأصل إلى استخدامه الأول في المعارك. فمن الميدان أخذت الرايات ترتبط شيئًا فشيئًا بمضامين الانتماء والوحدة وانصهار الذات في المجموعة قبل بدء الصراع، والفخر والزهو والاحتفال عقب الانتصار.
أما سقوط العَلَم في المعارك فيعني الهزيمة. لذلك يكون الهجوم على حامل الراية أشرس ما يكون، كما يكون الدفاع عن الراية أشد ما يكون، بينما يكتسب حامل الراية بطولة خالدة.
أما على صعيد إظهار الانتماء، فاستخدام الأعلام وجد طريقه إلى كل ناحية من نواحي الحياة، فمن استخدامها في الجهات الرسمية خارج البلد وداخله، وحضورها في المناسبات الرياضية، إلى وجودها في بيئات العمل عمومًا، واستخدامها من قبل الطلاب المبتعثين، وانتهاءً بتوشيحها للمركبات واستخدامها بغرض الترويج للسلع بمختلف أشكالها..
الخفّاق الأخضر
العَلَم السعودي متوارث من الدولة السعودية الأولى. فقد أتى في وصف أول راية سعودية رُفعت أنها “خضراء منسوجة من الخزّ والإبريسم، مكتوب عليها كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، معقودة على سارية بسيطة. كانت الراية خضراء، وكان الجزء الذي يلي السارية جزءًا أبيض، أما شهادة التوحيد فكانت منسوجة على سطرين متتاليين.
وكان الإمام المؤسس محمد بن سعود هو من يعقد الراية ويقود الجيوش بنفسه، أو يكتفي في بعض الأحيان بعقد الراية ويوكّل أحد أبنائه بتسيير الجيش وقيادته. واستمر الأمر بالطريقة نفسها مع ثاني الأئمة عبدالعزيز بن محمد، بنفس الكيفية تمامًا التي كان يتم بها الأمر في وقت أبيه، فهو يعقد الراية بنفسه أو يوكّل بذلك ابنه سعود، الذي أصبح فيما بعد ثالث الأئمة.
وكان المؤسس وأبناؤه يرسلون رسلهم إلى عموم قبائل الجزيرة، ويضربون لهم موعدًا في يوم معلوم ومكان معلوم، قريبًا من الماء في غالب الأحيان، ثم ينصبون الراية على جانب هذا الماء فتكون علامة بينة للجميع، يُستدل بها كما يستدل البحارة بالفنار. وهكذا تتوافد عليهم وفود القبائل لتبايع ولتنضم لجيش التوحيد. وكانت الراية علامة فارقة بين الفوضى والدولة، وكان الانضمام إليها يعني الانضمام إلى الأمة، وترك الفرقة والتشرذم.
عَلَم الملك:
في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – صدر الأمر الملكي رقم م/3 في 10/2/1393هــ (1973م) الخاص بنظام العَلَم السعودي، وجاء ضمنه استحداث عَلَم الملك الخاص، وهو العَلَم الوطني مضافًا إليه شعار المملكة باللون الذهبي في الركن الأيمن أسفل العَلَم. فقد نصَّت المادة الثانية من النظام على أن: “يكون لجلالة الملك عَلَم خاص يطابق العَلَم الوطني في أوصافه، ويطرَّز في الزاوية الدنيا منه المجاورة لعود العَلَم بخيوط حريرية مُذهبة شعار الدولة وهو السيفان المتقاطعان تعلوهما نخلة”.
العلم الأخضر:
كما ذكرنا سالفًا، ينطوي العَلَم على رمزية كثيفة في جوفه كما تنطوي البذرة على الشجرة في أحشائها. فالعَلَم يخبر الآخرين بشكل من الأشكال عن هوية أصحابه وماهيتهم، عن قيمهم وأخلاقهم وفضائلهم، ناهيك عن حروبهم وانتصاراتهم، أيامهم العظيمة وأمجادهم التليدة. لذلك تعبّر هذه الرموز عن الهوية القومية لهذا الشعب، كما تستلهم القوانين الخاصة بالعَلَم نفحة من روح أصحابه وثقافتهم.
وبالتأمل في تجليات الرمزية في العَلَم السعودي، نجد أن العقيدة الصافية الصادقة هي ما توحَّد عليه الناس وبايعوا ولاة أمرهم، وتظهر هذه العقيدة بصورتها الناصعة في عبارة التوحيد التي تتوسَّط العَلَم. أما اللون الأخضر فيرمز إلى القيم الإنسانية العميقة التي تميِّز السعوديين، ومنها الكرم والجود والسخاء والصفح والتسامح، وسائر ضروب المروءة، كما أن له ارتباطًا أيضًا بمدلولات ذات صلة بالعقيدة نفسها، فهو مثلًا ينطوي على إشارة إلى لون الجنة ورياضها، ويتصل بقيمتي السلام والرخاء.
أما السيف فهو رمز للقوة والمنعة. فصحيح أن أخلاق السعوديين تأبى الظلم والعدوان، ولكنهم في الوقت نفسه يأبون الذل ويرفضون الضيم. وهذه الرمزية للسيف لها جذور عربية قديمة، حيث يُعد السيف صنوًا للنبل والمروءة العربية.
يخفق في البر والبحر:
وإذا نظرنا إلى المواد القانونية المتعلقة برفع العَلَم السعودي في النظام الأساسي للحكم، سنرى مباشرة وبقليل من الجهد تلك الأنفة العربية العريقة، وتلك الكبرياء التي تميِّز أهل الجزيرة منذ فجر التاريخ.
فالقوانين تنص على وجوب رفع العَلَم السعودي ما بين شروق الشمس وغروبها على جميع مباني الحكومة والمؤسسات العامة داخل المملكة، وعلى دور الممثليات السعودية في الخارج بما تقتضيه المجاملة والعرف الدولي، خفاقًا من طلوع الشمس حتى غروبها بما في ذلك أيام الجمع والأعياد.
والأمر ليس مقتصرًا على البر، بل يجب أن يكون العَلَم خفاقًا في البحر أيضًا، على السفن والقطع البحرية السعودية للملاحة في أعالي البحار، عند دخول الموانئ أو الخروج منها، وعند إبحارها على مرأى من سفينة أخرى، أو ميناء أو حصن أو قلعة أو مركز مدفعية أو منارة، وبناءً على طلب أية سفينة حربية. ونرى في هذه الأنظمة انعكاسًا لقيم العرب من الفروسية والنبل، إن أخذنا بالاعتبار أن هناك سفنًا تجارية تُضطر لرفع أعلام دول غير دولها عندما تمر بأماكن يكون فيها خطر عليها، أو اشتباه بأعمال قرصنة بحرية.
بين الحرب والسلم
ولأن الراية موئل الرموز فإن حضور الراية وغيابها على حد سواء يكتسبان رمزية هائلة؛ فهي تحضر في أوقات الحرب، فيعتليها غبار المعارك، وتحيطها زمجرات الفرسان، وصهيل الخيول. أما عندما يستتب السلم عقب تحقيق النصر المؤزر، فإن الراية تتحلل من رداء الحرب وترتدي أزهى ألوانها، ثم تُزف كالعروس محاطة بأهازيج الانتصار وإيقاعات طبول العرضة النجدية.
وتتقدَّم الراية نحو العاهل بتؤدة وكبرياء، وترتفع الدفوف مزركشة بكتل الخيوط الملونة وتهبط بإيقاع منتظم، وهي مرفوعة على سارية رفيعة محاطة بفرسان الملك وقادتهم الأبطال الذين يتقدَّمون ببطء متمايلين طربًا يلاعبون الأسنة والسيوف حتى يقتربوا من العرش. ثم يقومون بمحاكاة أحداث المعركة الأخيرة كما لو أنها حدثت بالأمس، ويصدحون بصوت واحد: “تحت بيرق سيدي، سمعٍ وطاعة”، مكررين مشهد المبايعة الذي حدث بين أجدادهم والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.
وفي الختام؛ للعَلَم السعودي حضور كبير في القصائد الوطنية، لا سيما أنها قصائد حماسية تُغنى في لحظات الاحتفال والمناسبات الوطنية، كما في قصيدة سعيد فياض الشهيرة “بلادي بلادي منار الهدى”، ففي قصيدته، يقول فياض: “باسم المهيمن حامي العَلَم”، وكما في قصيدة البدر: “فوق هام السحب وان كنت ثرى …
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال