المسؤولين الماليين هم قادة المستقبل

لا شك أن المتغيرات السريعة في البيئة الاقتصادية، وتأثيراتها على الحكومات والأسواق، قد أحدثت تغييراً جذرياً في دور الوظائف المالية. وهذا الدور، الذي يتعين على المسؤولين الماليين القيام به، يشمل إجراء تغييرات جوهرية على عملياتهم ودورهم التنظيمي لضمان قدرتهم على تنفيذ مهامهم وواجباتهم بكفاءة وفعالية.

وإذا اخذنا التداعيات التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد-١٩) خلال الأعوام الماضية كأحد تلك المتغيرات التي أثرت على معظم جوانب الحياة، فإننا نجد أن المسؤولين الماليين وإداراتهم قد وجدوا أنفسهم يلعبون دوراً أكبر في المشاركة في تطوير النماذج التشغيلية وبناء الاستراتيجيات التي تضمن استمرارية الأعمال للتعامل مع ما حدث والاستعداد لما قد يحدث.

فعطفا على دور المسؤولين الماليين على رفع كفاءة العمل وتحسين الممارسات المهنية وامتثالها للأنظمة واللوائح والإجراءات التنظيمية إلى ان واقع الحال فرض عليهم أن يكونوا أكثر استعدادا لفهم التقنيات الحديثة المتطورة والاستفادة منها وخلق وظائف مالية ذات طابع مختلف ووضعها قيد التنفيذ لتحقيق القيمة والدعم التنظيمي بالإضافة الى توفير القيادات المالية وتوجيههم نحو المشاركة الفاعلة ليكونوا مصدراً للإثراء المعرفي المالي ولقيادة النتائج بدلاً من مجرد الإبلاغ عنها.

فقد أصبحت الوظائف المالية تلعب دوراً رئيسياً في الأنشطة التوجيهية والمجالات ذات القيمة المضافة من خلال تعزيز دورها في إدارة البيانات المؤسساتية للتغلب على تحديات البيانات وذلك بوضع معايير عالية لهيكلتها، وإدخالها، وتجميعها، ودمجها، وتخزينها، وحمايتها، والرفع من جودتها، والعمل على نقل التقنيات المتقدمة لضمان تدفق البيانات المؤتمتة بكفاءة. كما تلعب دوراً حيوياً في مراجعة النتائج وتحليلها وتعزيز فرص النمو، مع ضمان التقييم المناسب للمخاطر والعمل على التخفيف من حدتها عند الحاجة. وقد أصبح لها دوراً بارزاً في دراسة وتطوير الاستراتيجيات وتحديد الأولويات وضمان تمويلها، والمساعدة في تمكين تنفيذها.

مما لا شك فيه، فقد اسهمت تلك الوظائف المالية في رفع وتيرة التحول الرقمي وتعزيز المرونة وسرعة اتخاذ القرارات، وذلك من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعيArtificial intelligence (AI) والتعلم الآلي Machine Learning (ML)، وبناء نماذج الأعمال الإلكترونية E-Business Model (EBM) المتطورة التي تدعم فهم وتحليل البيانات ووضع التنبؤات المالية والسيناريوهات المحتملة، إلى جانب إدارة المخاطر المالية، وتحديد محركات التكلفة، وفرص رفع كفاءة الإنفاق وتنمية الإيرادات.

كما تتضمن المسؤولية المالية مراجعة مؤشرات الأداء ومقارنتها بأفضل الممارسات المحلية والتجارب الإقليمية والدولية الناجحة في مجالها، ومعالجة الأداء الضعيف عن طريق إطلاق مبادرات مخصصة لهذا الغرض لتحقيق التكامل المؤسسي السليم، وذلك بطريقة ممنهجة تسهم في رفع مستوى الفاعلية المؤسسية.

ومن الملاحظ أن المسؤولين الماليين أصبحوا يلعبون دوراً حيوياً وهاماً في استشراف المستقبل وتشكيل استراتيجيات مؤسساتهم لمواجهة التحديات والمتغيرات. وهم الآن يشغلون مناصب “كبار مسؤولي المستقبل” (Chief Future Officers)، وذلك لقدرتهم في قيادة التغيير وتحويل مؤسساتهم إلى مؤسسات أكثر ذكاءً واستدامة مالية.