الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتبر شهر مارس من عام 2023م شهرا حزينا على الاقتصاد العالمي. بداية هذا الشهر، أعلنت الصحف عن انهيار بنك وادي السليكون SVB. أثار هذا الانهيار الذعر في القطاع المالي وقلق الاقتصاد العالمي الدخول في أزمات مالية مماثلة لآخر ازمة اقتصادية والتي حدثت في عام ٢٠٠٨. خصوصا انه بعد انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008م، كان هناك قلق في الحكومة الفيدرالية الامريكية حول ايجاد حلول لمنع حدوث مثل تلك الكارثة مرة اخرى، وهذا ما جعل الحكومة الامريكية تمرر قانون دود فرانك Dodd-Frank Law والذي يضع القيود على البنوك والمؤسسات المالية بشكلٍ يمنعها من الانهيار والإفلاس.وعلى الرغم من وجود هذا النظام، فالسؤال الحاسم هو لماذا انهارت ثلاث بنوك في أمريكا خلال وقت واحد. أين الخلل، هل هو كما يتداول في الاخبار والتقارير انه بسبب التضخم والعملات المشفرة؟ في الواقع، هذه أحد العوامل ولكن العامل الرئيسي هو التغييرات التي تم إجراؤها في عام 2018 على قانون دود فرانك هي التي كانت لها دور رئيسي على هذا الانهيار.
عندما تم إعلان انهيار بنك SVB، كان هناك تساؤلات كبيرة حول ما إذا كان بإمكان المشرعين الامريكيين التدخل في وقت أقرب بمنع مثل هذا الانهيار. أشارت التقارير الأخيرة التي تم استعراضها بهذا الشأن ، انه منذ أكثر من عام ، لاحظ بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو مشاكل في بنك SVB، بما فيها كيفية إدارة البنك، خصوصا وان البنك يعلم مسبقا عن التغيرات في أسعار الفائدة، والتي تم تنبيه البنك حولها، من حيث عدم أخذ قرارات عالية المخاطر في ظل تغيرات أسعار الفائدة، حيث تم تحذيره من قبل الفيدرالي أنه قد يعاني من نقص سيولة حاد وبالتالي احتمالية حصوله على نقود كافية في ظل أزمة التضخم العالمي سيكون صعب جدا. لكن البنك، ضرب بهذه التحذيرات عرض الحائط، واستمر في اتخاذ قرارات عالية المخاطر، ويعود هذا الى ضعف حوكمة البنك.
كما ذكرت اعلاه، بعد الأزمة المالية لعام 2008 ، أقر الكونجرس قانون دود-فرانك ، الذي فرض أنظمة أكثر صرامة على القطاع المصرفي ؛ لكن في عام 2018 وتحت ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سعى جاهدا الى، حث الكونغرس على تعديل نصوص هذا النظام من حيث رفع رأس مال المؤسسات المالية والمصرفية الصغيرة والمتوسطة. كيف يكون ذلك؟
اولا، من المهم أن نتذكر أن قانون دود فرانك Dodd-Frank Law يتكون من سبعة عشر قانونًا تم عرضها في أكثر من 800 صفحة، جميعها تهتم بتنظيم عمل البنوك. في الفصل X تناول الحماية المالية للمستهلك، والمشتقات المالية. كان التغيير الأكبر والذي تسبب بالكارثة هو أنه عندما تم تمرير هذا القانون والموافقة عليه، وضع نظام خاص للإشراف على البنوك تحت اشتراطات تصب في مصلحة حماية البنوك والمصارف من الانهيار، ترتفع معايير الاشراف و الاشتراطات وتكون أكثر تعقيدا بحسب ضخامة رأس مالها. وكان نظام دود فرانك ينص على أن هذه الاشتراطات يخضع لها جميع البنوك التي تزيد أصولها عن خمسين مليار دولار. وبالتالي، البنوك التي يزيد رأس مالها عن هذا المبلغ، تخضع لنظام إشراف أكثر صرامة. تعرف هذه الممارسة بالإشراف الاحترازي المعزز. يتضمن اختبارات الإجهاد لعمل البنك. الذي حصل في عهد إدارة ترامب، تم رفع قيمة رأس مال البنوك التي لا تخضع لنظام الاشراف المشدد من خمسين مليار دولار الى مئتين وخمسين مليار دولار. ولذلك، خلال خمس سنوات فقط، تضاعفت أصول البنك أربع مرات لتصل إلى أكثر من مائتي مليار دولار، مما يعني ان البنك كان يتخذ قرارات هدفها الأول والأخير الربحية مهما كانت المخاطرة. حيث أن زيادة رأس المال بهذه السرعة، بالتأكيد سيكون تصرف عالي المخاطر. هذا كان له الدور الرئيسي في انهيار البنك، حيث ان نظام الإشراف الصارم لا يخضع له هذا البنك على الرغم من ضخامة رأس ماله.
كذلك، في الباب الثاني من هذا النظام، يفرض على البنوك ذات الرأس المال الضخم والتي كانت قبل التعديل المصارف التي تتجاوز قيمتها كاملة خمسين مليار دولار، وبعد التعديل مئتان وخمسون مليار دولار- تقديم طلب يسمى من خلال ترجمته حرفيا من اللغة الانجليزية “الرغبة في الاستمرارية” living will request. يقصد بهذا الطلب، ان البنوك ذات الرأسمال الضخم، في حالة حدوث أزمة مالية مثل التي حصلت مع السيلكون فالي ، يتم تنظيم طريقة انتهائها بشكل يضمن عدم الخسارة الفادحة. ولكي تتفادى الحكومة الامريكية انهيار شركات التأمين، فقد نص هذا النظام، ان تمويل البنك الذي يعاني من ازمة، او حتى دفع ديونه لا يكون من خلال الشركة الفيدرالية للتأمين على الودائع (F.D.I.C) التي تضمن الالتزامات غير المؤمن عليها لمودعيها ، وإنما يكون من خلال وجود ملاذ آخر وهو الذي يسمى بنوك القروض العقارية الفيدرالية ، كما هو الحال مع البنوك الاحتياطية الفيدرالية ، وهذه عبارة عن مؤسسات فيدرالية تابعة للكونجرس يُفترض أن تكون مقرضًا الملاذ الأخير التي يمكن أن تقرض البنوك في حال تعرضها الى ازمة مالية. بمعنى، ان النظام ساعد في خلق وسائل لامتصاص الخسائر التي قد تحدث من دون ان تتسبب هذه الخسارة في ازمة وركود اقتصادي. بنك وادي السيليكون لم يكن لديه هذه الميزة بسبب أنه لا يعتبر من البنوك الضخمة. وغالبا، عدم وجود هذا الاشتراط، يفترض ان عمر هذه المؤسسة المالية قصير.
أهم عامل ادى الى الانهيار هو أن المراقبين على البنك يملكون جميع الأدوات اللازمة لمتابعة أي مسألة تتعلق بتركيز المخاطر او ارتفاع معدلها أو سوء إدارة المخاطر، بحيث أنه إذا لاحظ المسؤولون أن البنك يتخذ قرارات عالية المخاطر وشديدة التهور كما كان في بنك السيلكون فالي، يمكن إجبار البنك على التصفية. وهذا ما لم نراه في هذه الحال. كان هناك مؤشرات حمراء كثير تشير ان البنك متجه نحو الهاوية، ولكن لم يتم اتخاذ التصرف اللازم حيالها وفقا لما نص عليها قانون دود فرانك. وهذا يثير تساؤلات أخرى حول ما اذا كانت الحوكمة ضعيفة وحول ما إذا كان هناك شبهة فساد و تواطؤ مع اشخاص اخرين خارج نطاق البنك.
هذا يعتبر من الدروس التي يمكن الاستفادة منها في انظمة المملكة المالية. لا بد من دراسة نظام للتأمين على الودائع بشكل أكثر تمحيص والنظر في مدى اتساع هذا النوع من التأمين ليشمل التأمين على صغار المودعين. بالطريقة نفسها يُخلف فيها أدوات وأفكارًا نقدية جديدة للتعامل مع عصر أسعار الفائدة المنخفضة ، لابد من التفكير بجدية كبيرة حول التعامل مع القرارات عالية المخاطر في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وانهيار البنوك خلال شهر واحد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال