الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان مقال الأسبوع الماضي وصل لنتيجة مفادها، أن سوق العمل السعودي يعاني من خلل كبير في التوظيف، وذلك الخلل أدى إلى ضعف توظيف السعوديين، في مقابل قوة توظيف (استقدام) غير السعوديين، لذلك بدل أن يستمر معدل البطالة بين السعوديين في الانخفاض عاد للارتفاع، مخالفا كل الظروف الاقتصادية، للاقتصاد السعودي. وبالنظر في عمق بيانات سوق العمل عن قرب، يظهر جليا الخلل في أدق التفاصيل، بصورة موجعة. حيث أثبتت البيانات حقيقة مؤلمة مفادها أن العامل (السعودي) يعاني في سوق العمل (السعودي). في مقال اليوم سوف نرى تلك الحقيقة بوضوح من خلال (بيانات المتوقفين عن الاشتراك في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية)، حسب نشرة سوق العمل للربع الثالث 2022.
المتوقفون عن الاشتراك في التأمينات الاجتماعية، هم الموظفون والعاملون في القطاع الخاص الذين توقفوا عن دفع اشتراكاتهم في التأمينات الاجتماعية، لتوقفهم عن العمل لسبب ما. ومعظم أولئك ينتقلون لتعداد العاطلين عن العمل، وقلة منهم ينتقلون للعمل في الحكومة، أو لأعمالهم الخاصة، أو للتقاعد.
بداية إجمالي المتوقفين عن الاشتراك في نظام التأمينات الاجتماعية لجميع الأسباب 147166 عامل، نسبة السعوديين منهم أكثر من 61% بإجمالي يتجاوز 90 ألف عامل، في حين أن غير السعوديين أكثر قليلا من 57 ألف فقط، وهذه النسبة وحدها تكفي لمشاهدة الصورة التي أشرت لها في المقدمة.
والسعوديون الذين تركوا العمل لأسباب قد تؤدي إلى البطالة، مثل الاستقالة بكافة أشكالها، والفصل من العمل، وفسخ العقد، وانتهاء النشاط، وانتهاء العقد، بلغ عددهم أكثر من 85.7 ألف، وذلك العدد يمثل 58.17٪ من إجمالي المتوقفين عن الاشتراك في التأمينات الاجتماعية، وأكثر من 95٪ من السعوديين المتوقفين عن الاشتراك. وللتذكير، أن الداخلين الجدد لسوق العمل من السعوديين لنفس الفترة أقل من 55 ألف فقط، بينما غير السعوديين أكثر من 366 ألف لنفس الفترة.
وبالنظر في مزيد من التفاصيل، يظهر حجم الخلل. مثلا، إجمالي المستقيلون السعوديون، أكثر من 55 آلف بنسبة تتجاوز 98٪ من إجمالي المستقيلين، و37.17% من إجمالي المتوقفين عن الاشتراك في التأمينات. المستقيلون حسب المادة 77 بلغ إجماليهم 3550 عامل، أي أكثر من 6٪ من المستقيلين. والمفصولين حسب نفس المادة بلغ 1218 عامل وجميعهم في الحالتين سعوديون، وليس بينهم أي عامل غير سعودي. كذلك المفسوخة عقودهم حسب المادة 80 جميعهم سعوديين فقط، والبالغ عددهم 2468 عامل.
أما الذين فسخت عقودهم خلال فترة التجربة أو التدريب فبلغ عددهم أكثر من 11 ألف عامل، جمعيهم سعوديون، بنسبة تقترب من 13% من إجمالي من توقف عن الاشتراك في التأمينات لسبب قد يؤدي للبطالة. مفارقة موجعة حيث يأتي العامل غير السعودي وليس لديه أي معرفة بسوق العمل، وربما دون مهارات، ولا شهادات متخصصة، مع ذلك يستمر في العمل بدون فترة تجربة فعلية، ويُصبر عليه، ويتم تدريبه، وتأهيله حتى يصبح مفيدا للمنشأة، في حين أن السعودي لابد أن يدخل فترة تجربة، ولابد أن يكون مفيدا للمنشأة منذ البداية، وإلا يحق لصاحب العمل (طرده) خلالها دون عواقب!
أما المنتهية عقودهم ولم يتم التجديد لهم فبلغ عددهم 10514 ألف ويمثلون أكثر من 12٪ ممن توقفوا عن الاشتراك في التأمينات لأسباب قد تؤدي للبطالة، وجميعهم سعوديون. والموجع أن 43٪ منهم لم يجدد لهم برغبة صاحب العمل، أي الغالبية، بينما 39٪ تقريبا بالاتفاق، والبقية برغبة المشترك نفسه وهي النسبة الأقل. وحتى عدم التجديد برغبة المشترك، قد لا تعني أنه راضي، بل مجبر لسبب أو لأخر.
من المهم أن يكون سوق العمل حرا في التوظيف وفي الفصل، وذلك ضروري لجودة العمل، ولتحقيق الأهداف الخاصة والعامة للاقتصاد، لكن أن يكون السعودي وحده من تطبق عليه تلك القاعدة بسهولة، بينما غير السعودي لديه القدرة على البقاء في السوق مهما كان أداؤه!
المثال الأخير، إجمالي المتوقفون عن الاشتراك بناء على توقف النشاط 3714 عامل، جميعهم سعوديون. ولا تظهر النشرة أي بيانات عن تلك الأنشطة التي توقفت، لكن يغلب على الظن أن معظمها من المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، مثل المقاهي. والملفت للنظر أن جميع المتوقفين من هذه الفئة من السعوديين وليس بينهم أي عامل غير سعودي، علما بأننا نرى كثير من العاملين غير السعوديين في تلك المنشآت، ما يعني أنهم ينتقلون لعمل أخر مباشرة دون فترة توقف.
تشير الأرقام السابقة بكل وضوح إلى عمق مشكلة سوق العمل السعودي، وإلى حجم معاناة العامل السعودي فيه. حيث التخلص منه يتم بكل بساطة بأي وسيلة كانت، ومنها الضغط عليه لإجباره على ترك وظيفته. في مقابل استقرار وضع العاملين غير السعوديين، وثباتهم في أعمالهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال