الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أول ما يتفاجأ به المسافر خارج السعودية عند تعامله مع شركات عالمية كان يتعامل معها داخلها، سواء في موطنها أو في بلد أخر، بالاختلاف الكبير في سياسات تلك الشركات عما اعتاده في السعودية. ويغلب على تلك السياسات أنها خارج المملكة أفضل منها داخلها وفي صالح المستهلك. واستخدم يغلب هربا من التعميم. فما هي الأسباب؟
قبل البحث في الأسباب الممكنة وراء تباين سياسات الشركات العالمية داخل المملكة عنها خارجها، نبدأ ببعض الأمثلة لتلك السياسات، لتتضح الصورة أكثر.
أول وأوضح تلك السياسات هي سياسة التسعير. فأسعار السلع والمنتجات العالمية داخل المملكة من أعلى الأسعار العالمية، كأسعار السيارات وقطع غيارها. وحسب معرفتي لا توجد سلعة عالمية سعرها في السعودية أقل منها خارجها، وهذا قد يكون منطقيا مقارنة ببلد المنشأ، لكن مقارنة بدول مجاورة أو مشابهة غير بلد المنشأ، فقطعا هناك خلل ما. على سبيل المثال أسعار السيارات اليابانية والكورية في أمريكا وأوروبا ودول الخليج أرخص منها في السعودية، رغم مقدار التعرفة الجمركية المرتفع في معظم تلك الدول.
من السياسات أيضا، سياسة الحجم والجودة. وهنا حدث ولا حرج! ولن أفتح هذا الباب الضخم، لكن أكتفي بذكر أحجام الوجبات الغذائية والمشروبات، التي تقل كثيرا عنها في أي مكان في العالم، مع ارتفاع السعر في المملكة.
أخيرا سياسة خدمات ما بعد البيع، التي لن أبالغ (كثيرا) إن قلت إنها (معدومة) لدينا، إن قارناها بسياسات تلك الشركات في بلد المنشأ أو في أي مكان في العالم. على سبيل المثال، شركة أثاث منزلي عالمية، سياسة الارجاع عندها خارج بلدها كان سنة كاملة، ثم خفضتها إلى ستة أشهر، بدون شروط تذكر مع خصم الضريبة فقط، بينما في السعودية ثلاثة أيام بشروط تكاد تمنع الارجاع تماما. مثال آخر شركة سيارات، تستدعي سياراتها التي بها شبه خلل مصنعي مع كل عميل تنتقل له السيارة برسالة بريدة خاصة باسمه، وتحدد له أقرب فرصة صيانة لينسق معها الموعد، حتى يتم الكشف على السيارة فعلا. في حين أن تلك الشركة نفسها، بعد أن تجبرها وزارة التجارة باستدعاء سياراتها، تقوم بنشر إعلان في الصحف، أشبه بالطلاسم، وتدخل أصحاب السيارات في زحام مواعيد يدفعهم لتفضيل عدم القيام بالصيانة المطلوبة.
الواقع أن سياسات الشركات العالمية، والامثلة عليها كثيرة، ولا يمكن حصرها. لكن لماذا هذا التباين بين سياسات تلك الشركات داخل السعودية وخارجها، بصورة لا تخدم المواطن، والمقيم في السعودية؟
تعد القوانين والأنظمة التي تحكم السوق من أهم الأسباب الرئيسية لذلك التباين. ومن مشاكل الأنظمة عدم شموليتها لكل الحالات الممكنة التي تحكم العلاقة بين الشركة والعميل، ثم عدم وضوحها في بعض الحالات، وسهولة التلاعب عليها من قبل الشركة. وأخيرا ضعف المتابعة، وعدم صرامة التطبيق.
لكن أعتقد أن السبب الرئيسي الأول هو عدم وجود منافس سعودي حقيقي، يوازي بقوته الشركات العالمية، وإن وجد في بعض الحالات القليلة، فهو في الغالب تابع وليس محرك للسوق، مثال شركات سوق الوجبات السريعة. وغالبا ما يتواطأ المنتج السعودي مع العالمي بشكل مباشر أو غير مباشر في استغلال المستهلك السعودي. وربما سهلت القوانين والأنظمة ذلك التواطؤ.
السبب الرئيسي الثاني والذي قد لا يراه المستهلك العادي، أن معظم الشركات العالمية تعمل داخل السعودية حتى الآن عبر وسيط سعودي، أو وكيل. فالاسم العالمي مجرد عنوان للمنتج أو الخدمة وليس للشركة العاملة في السوق. ويعمل وكلاء الشركات العالمية السعوديون على تشذيب سياسات تلك الشركة وتكييفها بالشكل الذي يخدم مصالحهم أولا، والشركة لن تمانع، كونها المستفيد الأكبر في النهاية. ولا يعمل الوسيط (الوكيل) السعودي على جعل تلك السياسات منافسة في السوق المحلي، كما تفعل الشركة الأم في الأسواق العالمية.
ولا شك أن السماح للشركات العالمية بالعمل في السوق السعودي مباشرة، بشروط تماثل شروط عملها في بدلها أو في دول العالم، لتحسنت خدماتها كثيرا، بما يخدم الاقتصاد الوطني، والمستهلك المحلي. وإن كان لابد من (الوكيل) فيفرض عليه تطبيق سياسات الشركة ببلد المنشأ أو على الأقل بسياستها في بقية دول العالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال