الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الأموال التي تديرها الصناديق الاستثمارية لحظة كتابة المقال تتجاوز النصف تريليون ريال، وإذا استمر معدل نموها الى عام 2030 بنفس معدل نموها في الخمس سنوات الماضية فستتجاوز التريليون ريال بحلول 2030. عدد المشتركين في الصناديق يتجاوز الـ 660 الف مشترك، وهذا رقم كبير، وكلهم يفترض ان الصناديق التي يستثمرون بها تدار على اسس علمية مالية بحته، وكلهم يفترض أن رقابة هيئة السوق المالية محكمة، وهذا افتراض منطقي في رأيي. لكن حين ننظر للمتطلبات التشريعية لمدراء الصناديق والقائمين عليها لا نجد أي أمر او فقرة تشير الى خضوع مدراء الصناديق ( واقصد صناع القرار الاستثماري على مختلف تسمياتهم)، لأي فحص (نفسي) من جهة طبية نفسية مصرحة. في رأيي الخضوع لفحص نفسي لا ينبغي أن يكون لحظة التعيين بل (دوريا) لضمان الأهلية النفسية لصناع قرار الصناديق وعدم تأثر قراراتهم لأي عامل نفسي سلبي. الصناديق لا تدير اموال خاصة لمدراء او ملاك الشركات المالية، بل تدير اموال (مدخرات) العموم، ومع بلوغ قيمها مئات المليارات فأعتقد أن كافة المخاطر يجب ان تغطى، بما فيها مخاطر تعرض اهلية مدراء الصندوق لاتخاذ القرار السليم للخطر والمساس.
في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ذهاب التنفيذيين ورجال المال للمتخصصين بشكل دوري أمر ليس معتاد عليه فقط، بل هو مدعاة للتفاخر والمباهاة فيما بينهم، ونرجو ان يصل الأمر عندنا لهذه الدرجة، فالأسواق والاقتصادات بطبيعتها تتعرض لتقلبات كثير منها (حادة) جدا، ولهذا أثر نفسي عميق على صناع القرار المالي، ولكن معالجة هذا الأمر تتم عن طريق (ذوي التخصص) الطبي. في استطلاع قرأته اجري في الولايات المتحدة وجدت التالي، 90% من التنفيذيين عانو من قلق الفشل، 49% عانو من قلق نمو (المبيعات)، و32 % من التنفيذيين راجعو المتخصص النفسي الذي حددته شركاتهم، بينما 22% راجعو اطباء نفسيين لغرض التغلب على الصعوبات التي عانوها. الذهاب للمتخصص او الطبيب النفسي لا يختلف عن الذهاب لطبيب القلب أو الأذن أو اي طبيب آخر، ففي النهاية النفس تتعرض لما يتعرض له اي عضو اخر، الخلل في ترك الأمور وعدم الالتفات لها لحين وقوع الفأس على الرأس لا سمح الله. وانا حددت في مقالي تشريع يخص مدراء الصناديق لأن المال هنا مال عام للمدخرين والمستثمرين على مختلف تصنيفاتهم، وأرى أن يكون هناك تشريع بهذا الخصوص، يحميهم.
لماذا لا يكون هناك تشريع ملزم لصناع القرار الاستثماري لخضوعهم لاختبارات (أهلية اتخاذ القرار) من مراكز مختصة وقادرة على الأقل مرة واحدة كل ربع سنوي. وأدعو ايضا ان يكون هناك تعاون بين هيئة السوق المالية ووزارة الصحة في تحديد متطلبات هذه المراكز، ومتى تم اعتمادها يكون الزاميا اتباع توصياتها اي كانت.
الذهاب للمتخصصين لا يعني انتقاص من قدر احد، والعشم ان ذوي التخصص المالي على وعي تام بذلك، بل هو دليل على رقي وحرص على صحتهم النفسية وانعكاس ذلك على سلامة الاموال التي هم مؤتمنون عليها. كثير من شركات القطاع الخاص التي اعرفها حريصة على السلامة البدنية لمنسوبيها، فنجدهم يأتون بتخفيضات من اندية لمنسوبيها ونجدهم يخضعون المنسوبين لفحوصات قلب وكبد وسكر وغير ذلك. لا يمنع من الذهاب خطوة للأمام ويحرصوا على الصحة النفسية، فكما يخضع المنتسب لفحص القلب والكبد وغير ذلك لا يمنع من خضوعه لفحص نفسي. وإذا كان النتائج تتطلب الالتزام بتوصية معينة فيجب الالتزام.
التوتر، والخوف، والقلق، ضغوطات يتعرض لها مدراء الصناديق في العالم كله، وكل هذه الأمور، مع امور اخرى، تؤثر في صواب واهلية القدرة على اتخاذ القرار العلمي الصحيح.ط ولكن في الغرب (على سبيل المثال) ليس هناك اي تحفظ من زيارات اطباء النفس، ولكن عندنا التحفظ موجود وهذا مشاهد، اعتقد الإلزام بالتشريع ضروري ان يدرس وينظر فيه من هيئة السوق المالية، حفاظا على الأموال العامة وحفاظا على صحة كفاءاتنا من السعوديين والسعوديات.
واخيرا اود ان اذكر ان هناك قصص مأساوية حدثت في العالم نتاج عدم الالتفات للصحة النفسية واهمال ذلك، هناك رواد أعمال مؤثرين في العالم بلغ الأمر بهم حد الانتحار للأسف الشديد، وهناك تنفيذيين كبار وقعوا تحت ضغوطات نفسية عميقة سمحت لهم بالانخراط في عمليات احتيالات محاسبية معقدة خوفا من ظهور نتائج سلبية، وحين ينكشف الأمر يحدث انهيار وكثير انتحر. وهناك من اختلس تحت ضغوطات نفسية معينة. رأيي اننا لسنا كسعوديين بمعزل عن ما يحدث في العالم حولنا، فنحن بشر، والطب النفسي علم، اعتقد يجب ان يمكن. اعتقد أمام وزارة الصحة وهيئة السوق المالية جهد كبير في زيادة الوعي لضرورة مراجعة الطب النفسي. مع تمنياتي للجميع بحياة سعيدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال