الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتَبر مسألة إدارة شركات المساهمة من أكثر المهن الإدارية صعوبةً وتعقيداً؛ فهي لا تَقتَصِرُ فقط على الأصول الإدارية النظرية من تشغيل مجموعةٍ من الدوائر الإدارية، وتشكيل لجانٍ فرعيةٍ ودراسة التسويق والأهداف والمخاطر ثم اتخاذ قرارٍ بشأن تشغيل رأس مال الشركة، بل إنّ إدارة شركة المساهمة تَصِلُ من حيث احتياجها للتقدير والارتجال إلى درجة الأسلوب الفني.
حيث إنَّ الرؤساء الخبراء لمجالس الإدارة في شركات المساهمة حول العالم قد أصبح لديهم مدارس فنية حقيقية في إدارة الشركات، تجمع بين العلم الإداري والخبرات العملية المُتَرَاكِمَة وصولاً إلى الشخصية والكاريزما والاستعداد النفسي؛ الأمر الذي يَجعَلُ من طريقَتِهِم في الإدارة منهجاً إدارياً تتعلَّمُهُ الأجيال اللاحقة.
هذه الفرادة في أسلوب كلِّ إدارةٍ، قد جَعَلَت شركات المساهمة تَتَنافَسُ للحصول على أهمِّ الخبرات الإدارية الناجحة بغرض تكليفِهَا بإدارة الشركة؛ خاصَّةً أنَّ شركة المساهمة تَتَمَيَّزُ بكونِهَا من الشركات التي تَفصِلُ بين الإدارة والملكية.
بناءً عليه، فإنَّ كادِر مجلس إدارة شركة المساهمة ليس بمجموعةٍ من الموظَّفين العاديِّين ولا حتى الخبراء، بل هم من القادة الاستثماريِّين المُميَّزين، الذين لن تَجِدَ الشركة ما لديهم من الآليات الإدارية الفريدة عند غيرهم من المختصِّين بالإدارة.
هذا يعني أنَّ قيادة شركة المساهمة تُشبِهُ إلى حدٍّ ما الفنان التشكيلي الذي يَرسُمُ لوحَاتِهِ بأسلوبه الخاصِّ الذي لا يَتَكرَّر؛ مثل البصمة الوراثية، بالتالي، مَن يُرِيدُ هذه اللوحة الإدارية عليه أن يَطلُبَ خدمات الإداري “الفنَّان”، وأن يَمنَحَهُ الأجر الذي يَستَحِقُّهُ.
لم يُعرِّفْ نظام الشركات الجديد معنى مكافآت مجلس الإدارة، لذا فقد عرَّفَت اللائحة التنفيذية للنظام الصادرة عام 1444 هذه المكافآت كما يلي:
“ما يَحصَلُ عليه عضو مجلس الإدارة من مبالغٍ وبدلاتٍ ونسبةٍ من صافي الأرباح وما في حُكمِهَا، ومكافآتٍ دوريةٍ وسنويةٍ مُرتَبِطَةٍ بالأداء أو بالخطط التحفيزية قصيرة أو طويلة الأجل، وأيِّ مزايا عينيةٍ أخرى، ولا يَشمَلُ ذلك المصروفات الفعلية التي تتحمَّلُهَا الشركة بغرض أداء أعضاء مجلس الإدارة مهامهم”.
تَقِفُ اللائحة التنفيذية لنظام الشركات عند هذه النقطة، وتَضَعُ الفرق بين نوعَيْن من المبالغ التي يَتَقَاضَاهَا مجلس الإدارة من الشركة:
ويمكن أن تأخذ مكافآت مجلس الإدارة عدَّة صورٍ، أهمُّهَا:
لكن نظام الشركات ولائحته التنفيذية بتعريفِهَا المشار إليه، قد وَضَعَ قيوداً على مكافآت مجلس الإدارة، كالتالي:
أولاً: القيد الإيجابي؛ وهو ألاَّ يَشمَلَ مبلغ المكافآت أية مصروفاتٍ أساسيةٍ تدفَعُهَا الشركة لقاء خدمات أعضاء مجلس الإدارة (مادة 1 لائحة)؛ وهو ما يَعنِي أنَّ أجر وتعويضات مجلس الإدارة التي تدفَعُهَا الشركة لأعضاء المجلس لقاء خدماتِهِم الأساسية لا تَدخُلُ في مفهوم المكافآت. وهذا ما يَسمَحُ للمجلس بتقاضي مبالغٍ كمكافآتٍ بما يتجاوَزُ سقف الأجور والتعويضات.
ثانياً: القيد السلبي؛ وهو أنَّ تَقَاضِي المكافآت يكون مشروطاً بحالتَيْن (مادة 76-1 نظام + مادة 1 لائحة):
وهنا بيت القصيد، فيجب إذاً أن تَرتَبِطَ المكافآت بفكرة الأداء أو التحفيز، وهي من بديهيات حوكمة الشركات؛ لذا فيجب أن يكون صرف المكافآت لأعضاء مجلس الإدارة محكوماً بمبدأ “العدالة والتناسب” كما يلي:
أولاً: العدالة: وهو ما يَعنِي أنَّ المكافأة يجب أن تُرَاعِي المساواة بين أعضاء مجلس الإدارة أنفسهم، وألاَّ تكون مُبَالَغَاً فيها بالنظر إلى أداء باقي الموظَّفين في الشركة.
فلا يجوز أن يستأثر رئيس مجلس الإدارة بالمكافآت على حساب باقي الأعضاء، ولا يجوز للمجلس الاعتماد على موظَّفين من الصف الثاني واستغلالهم للحصول على مكافآت.
ثانياً: التناسب: أي أن تكون المكافأة متناسبةً مع جودة الأداء من جهةٍ، أو أن تكون معقولةً بالنظر إلى خطَّة التحفيز المُقرَّرة من الشركة من جهةٍ أخرى.
فلا يجوز أن يَحصَلَ عضو مجلس الإدارة على مكافأةٍ مبالغٍ فيها لقاء أداءٍ عاديٍّ، ولا أن تتجاوز المكافأة التحفيزية حدود المعقول؛ ويكون المقياس في هذه الحالة لأداء الشركة.
فالشركة التي تَسيِرُ بطريق النمو بشكلٍ مذهلٍ في قفزاتٍ متتاليةٍ، يمكن أن تَصرِفَ مكافآتٍ كبيرةٍ لأعضاء مجلس الإدارة، أمَّا الشركة التي تَعمَلُ بشكلٍ ضعيفٍ أو بطيءٍ، فليس من المنطق أن تَمنَحَ مكافآت لا تَتَنَاسَب مع ضعف أدائِهَا.
وهنا يَثُورُ التساؤل عن الضوابط التفصيلية لمنح مكافآت مجلس الإدارة بالنظر إلى مبدأ العدالة والتناسب، هذه الضوابط جاءت في اللائحة التنفيذية لنظام الشركات وستكون موضوع الجزء الثاني من مقالنا بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال