الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدَّثنا في الجزء الأول من مقالِنَا (أضغط هنا) عن موضوع مكافآت أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة، وكيف أنَّها تُعتَبَرُ عنصر جذبٍ أساسيٍّ للكفاءات الإدارية النادرة، وأنَّ طبيعة هذه المكافآت تَختَلِفُ عن الأجور أو التعويضات العادية، كما بدأنا بمناقشة كيفية تنظيم نظام الشركات ولائحته التنفيذية لهذه المكافآت من حيث ضرورة خضوعِهَا لمبدأ العدالة والتناسب.
فإذا احتَرَمَت الشركة مبدأ العدالة عبر المساواة بين أعضاء المجلس ومنحِهِم مكافآتٍ تُقَاسُ بمقياس خدمَاتِهِم الجوهرية من جهةٍ، ثم حدَّدت الشركة مبلغ المكافآت بما يتناسب مع أدائِهَا من جهةٍ أخرى؛ عندها تكون الشركة قد احتَرَمَت مبدأ العدالة والتناسب بشكلٍ مبدئيٍّ وعموميٍّ.
لكن اللائحة التنفيذية لنظام الشركات الصادرة عام 1444 قد أضافت مجموعةً من الضوابط التفصيلية تطبيقاً لمبدأ العدالة والتناسب، كما يلي (مادة 21):
أولاً: عدالة المكافأة بالقياس مع مهام عضو مجلس الإدارة: فلا تكون العدالة بمعنى المساواة المجرَّدة فقط، بل بالقياس لمهام العضو؛ فإذا كان العضو يضطلع بمهامٍ جوهريةٍ وكثيفةٍ، فهو يستحقُّ مكافأةً أعلى من أقرانِهِ.
ثانياً: تناسب المكافأة مع أهداف الشركة (مادة 21-1-أ لائحة): فالمهام التي يقوم بها عضو مجلس الإدارة يجب أن تندَرِجَ ضمن تحقيق أهداف الشركة الاستراتيجية، وإلاَّ فلن يكون عليها أية مكافأةٍ. فمثلاً، إذا قام العضو بدراسةٍ تسويقيةٍ لمنتجاتٍ يُفَكِّرُ أن يقتَرِحَهَا على المجلس لإنتاجها وإدراجها ضمن أهداف الشركة، فيُعتبر ذلك من قبيل المبادرة الفردية دون تكليفٍ، والتي لم تنص عليها أهداف الشركة بعدُ؛ فلا يستحقُّ عنها أية مكافأة حتى تندَرِجَ ضمن أهداف الشركة فعلياً. لكن يمكن مكافأَتَهُ بمبلغٍ رمزيٍّ عن سعيِهِ ومبادرَتِهِ الفردية.
ثالثاً: تناسب المكافأة مع نشاط الشركة والمهارة المطلوبة لإدارَتِهَا (مادة 21-1-ب لائحة): فإذا قام عضو مجلس الإدارة بتدريب فريق عملٍ جديدٍ على إدارة المخاطر البيئية من باب التزيُّد في الحرص، رغم أنَّ نشاط الشركة لا يُشَكِّلُ أيَّ خطرٍ على البيئة، فلا يُعتَبَرُ نشاط العضو مُتَنَاسِبَاً مع نشاط الشركة، ولا يَستَحِقُّ المكافأة حتى يُثبِتَ لمجلس الإدارة وجودَ خطرٍ فعليٍّ لنشاط الشركة على البيئة.
رابعاً: تناسب المكافأة مع حجم الشركة (مادة 21-1-ج لائحة): فالشركة التي يَبلُغُ رأس مالها 50 مليون ريال، من غير المنطقيِّ أن تَمنَحَ مكافآتٍ سنويةٍ لأعضاء مجلس إدارَتِهَا بما يتجاوَزُ 10 مليون؛ أي بِمَا نسبَتُهُ 20% من رأس المال، فمثل هذا المبلغ يُشكِّلُ نسبةً مُبَالَغَاً فيها قياساً على حجم الشركة ومركزِهَا المالي.
خامساً: تناسب المكافأة مع خبرات أعضاء مجلس الإدارة (مادة 21-1-ج لائحة): فيمكن تقبُّل حصول العضو الخبير على مكافأةٍ أعلى من العضو الجديد الذي ما زال يُرَاكِمُ الخبرة؛ حيث إنَّ الخبرة هي التي تُسَاعِدُ الشركة على تَخَطِّي العديد من المشكلات بسبب معرفة العضو الخبير بطُرُقِ حلِّهَا وتجاوُزِهَا كما فَعَلَ في الماضي.
سادساً: تناسب المكافأة مع خطط الاستقطاب والتحفيز والإبقاء على أعضاء مجلس الإدارة (مادة 21-1-د لائحة): فالشركة ذات النشاط المالي بحاجةٍ إلى خبراء مُميَّزينَ في إدارة المخاطر المالية؛ لذا يكون لزاماً عليها استقطاب أعضاء في مجلس الإدارة من ذوي الخبرة في قيادة فرق العمل المالية وتشكيل لجان إدارة المخاطر. ففي مثل هذه الحالات، يمكن تقبُّل ارتفاع قيم مكافأة العضو الخبير في الشؤون المالية رغبةً في استقطابِهِ لمصلحة الشركة، أو تحفيزه على بَذلِ المزيد من الجهود، أو بغَرَضِ جَعلِهِ يُفكِّرُ بالاستمرار والاستقرار في الشركة لأطول وقتٍ مُمكنٍ.
سابعاً: التناسب يستوجب التفاوُت بين أعضاء مجلس الإدارة (مادة 21-2 لائحة): فيجب أن تكون المكافآت مُتَفَاوِتَةً بينهم وفق خبراتِهِم أو مجهودِهِم الذي يُحقِّقُ أهداف الشركة، ولا يجوز أن تكون المكافآت متساويةً بشكلٍ جزافيٍّ.
ثامناً: مكافآت الأعضاء المستقلين بعيدة عن الأرباح أو الربحية (مادة 21-3 لائحة): حيث إنَّ أعضاء مجلس الإدارة المستقلين بعيدين عن أية مصالح تخص ُّالشركة، ويجب أن يتمَّ ضمان استقلالهم هذا عبر تحييد مكافآتهم عن الربح أو الربحية؛ لأنَّ العضو الذي يتمُّ تمويل مكافأتِهِ من ربح الشركة مثلاً، أو الذي تُقَاسُ مكافاتِهِ بنسبةٍ من ربحيَّتِهَا، قد يَسعَى إلى زيادة هذه الربحية حتى تَزِيَد مكافأتِهِ، وهو ما قد يَدفَعُهُ إلى الخوض في مصالحٍ مُتَعَلِّقَةٍ بمصلحة الشركة؛ الأمر الذي يُفقِدُهُ استقلاليَّتَهُ التي تمَّ تعيينه في المجلس بناءً عليها.
وبغاية ضمان الرقابة على احترام الشركة لمبدأ العدالة والتناسب في توزيع مكافآت أعضاء مجلس الإدارة، فقد ألزمَت اللائحة التنفيذية لنظام الشركات مجلس الإدارة بالإفصاح عبر تقريره السنوي عن سياسة المكافآت والمبالغ المصروفة كمكافآتٍ في مقابل الأعمال أو المناصب التنفيذية أو الفنية أو الإدارية (مادة 21-4 لائحة).
وفي الواقع، يُعتَبَرُ تطبيق المبادئ الإدارية التنظيمية مثل مبدأ العدالة والتناسب في المكافآت من الأمور التقديرية للمجلس؛ لذا يجب أن تكون الرقابة صارمةً على معقولية القياس، والمنطق الذي استَنَدَ عليه المجلس في توزيع المكافآت.
والسبب في خطورة مسألة مكافآت أعضاء مجلس الإدارة هو أنَّ المجلس قد يُثرِي على حساب مساهِمِي الشركة بناءً على خدماتٍ أو خبراتٍ عاديةٍ؛ حتى أنَّ توازن الشركة المالي قد يختلُّ إذا تجاوَزَت المكافآت حدود المعقول.
بناءً عليه، نقتَرِحُ إنشاء إدارةٍ خاصَّةٍ في كلٍّ من وزارة التجارة وهيئة السوق المالية بغَرَضِ وضعِ معاييرٍ ماليةٍ دقيقةٍ لقياس مكافآت مجلس الإدارة، والرقابة على حُسن تطبيقها بناءً على ضوابط مبدأ العدالة والتناسب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال