الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
( أنا شخص رائع، وأنتم عاجزون ولا قيمة لكم جميعاً. ولهذا، فأنا أستحق معاملة خاصة) .
هكذا عبّر الكاتب مارك مانسون في كتابه – فن اللامبالاة – عن أحد أشكال الشعور الزائد بالاستحقاق، والذي يرى الشخص من خلاله أنه على قمة العالم، وأنّ الكون كله مدين لوجوده، تتشكل لديه عقدة الاستحقاق ليرى أنه الأحق والأجدر لكل المناصب دون الحاجة لاستيفاء الشروط. هذا الشعور هو ما يجعل الكثير من الموظفين يخلط بين مكانته الاجتماعية ومستواه الوظيفي. فهناك من يرى أنه مستحق لمستوى وظيفي عالي نظراً لارستقراطية وضعه الاجتماعي مما يجعله لا يستمر على وظيفة واحدة فضلاً عن ثباته في مكان واحد.
ما أنوي التركيز عليه هنا هو ذلك الموظف الذي يكثر التنقلات داخل المنظمة لدرجة الإسراف في التغيير حتى في أروقة الإدارة الواحدة لأسباب عديدة منها عدم ملاءمة ذلك المكان أو عدم التفاهم مع تلك الإدارة مما يخلق بالغ الأثر السيء في تغيير مساره الوظيفي وإعادة رسم خريطته المهنية.
تتعدد الظروف وأسباب التنقل ولكن تبقى هناك أسئلة جوهرية: ما هو التوقيت المناسب للتغيير؟ هل تجزم بتغيير واقعك بعد الانتقال؟ هل ستكون هذه النقلة الأخيرة؟ ماذا لو لم يلائمك الوضع الجديد؟ أم أن التغيير هو مغامرة لا تستطيع التنبؤ بنتائجها لذلك ستعتبر مجرد خروجك من الوضع الحالي بمثابة المغنم الحقيقي وما سيأتي بعده لا يعدو كونه أمراً ثانوياً يمكن التعامل معه مهما كانت درجة صعوبته؟
كل هذه الأسئلة الدقيقة يجب أن تكون حاضرة في الذهن، فانتقالك إلى وظيفة جديدة أو مختلفة كلياً عن مسارك السابق وتخصصك الذي تعبت فيه ( إن كنت قد اخترته بنفسك) وقطعت فيه أشواطاً طويلة يجب أن يتم وفق خطوات مدروسة. وبالحديث عن التخصص فحسب نتائج أظهرتها بحوث منظمة العمل الدولية (ILO) والتي أجرتها على مختلف المستويات الوظيفية في ١٣٠ دولة، تبيّن أن نسبة من يعملون بوظائف ذات علاقة بمؤهلاتهم الأكاديمية لا تتجاوز ٥٠٪ وحتما ستكون هذه النسبة أقل محلياً في القطاعين العام والخاص.
أود هنا أن أطرح بين يديك بعض الحلول التي هي نتاج عُصارة التجارب والخبرة العملية، والتي من شأنها أن تعينك في رسم خطة السير.
أولاً التقييم المهني: والذي يقيس الميول المهنية لدى كل شخص حسب إمكانياته وقدراته ومعارفه ومهاراته الحالية. مثلاً تقييم بيركمان (والذي جربته بشكل شخصي لنفسي والآخرين)، تقييم MBTI، مقياس هولاند، وغيرها العديد من المنهجيات العلمية التي كان لها عظيم الأثر في إعادة تحديد المسار الملائم للموظفين ورجال الأعمال وبداية الانطلاقة نحو المجد.
ثانياً طبيعة العمل: حتى لو كانت الوظيفة امتداد لتخصصك إلا أنها قد لا تلائمك فمثلاً وظيفة خدمات عملاء في بنك تختلف عن نفس المسمى الوظيفي في شركة سيارات أو شركة اتصالات. من جهة أخرى بعض الوظائف تتطلب السفر والانتقال المستمر بينما يتطلب البعض الآخر العمل في مناطق نائية تفتقر لمعظم مقومات الحياة المدنية.
ثالثاً الأهداف المادية: تحديدك للأهداف المادية يجعل مهمة اختيار الوظيفة أسهل. يلجأ البعض إلى المثل النجدي الشهير “تعبّر بأم شوشة لين تجي المنقوشة”. والذي يعني الاستفادة من الوضع الحالي بشكل مؤقت إلى أن يأتي الأفضل. وهذا من أكثر أسباب التنقل الوظيفي في بدايات المسار المهني حيث يقبل الشخص بأي عرض وأي وظيفة مهما كانت بعيدة عن ميوله ثم يتركها عند أول فرصة ولو بفارق مادي بسيط .
من هنا أقول أن بعض الناس قد لا تلائمهم الوظيفة بتاتاً وهو أمر يمكن اكتشافه مع الأيام. فيكون خيارهم الأفضل هو العمل الحر. ورأيت بنفسي تجارب عديدة ناجحة لأشخاص عصاميين تركوا الوظائف وبدأوا بالعمل الحر.
ختاماً، إن معرفة النفس بدقة هو أحد أشكال القوة الإنسانية، لذلك قال حكيم الصين صن تزو :” اعرف نفسك وسوف تكسب كل المعارك”، ولكي لا تضيع عليك سنوات في البحث عن ذاتك، أبدأ بمعرفة نفسك أولاً بطريقة علمية ثابتة وبمنهجية معتمدة لتحقق أعلى مستوى من الأداء بأفضل مقدار من الجهد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال