الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في 19 مايو 1933 وقعّ الملك عبدالعزيز (رحمه الله) اتفاقية مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وبعد 5 سنوات تقريبا ظهر النفط في أول بئر في الدمام، والتي عُرفت باسم (البئر رقم 7). ومنذ ذلك الحين إلى اليوم والمملكة العربية السعودية بفضل من الله، ثم بفضل تدفق النفط من تلك البئر، وآلاف غيرها، تعيش في خير ونعمة.
إعلان سمو ولي العهد (حفظه الله) عن إنشاء المناطق الاقتصادية الأربع، برأيي يشبه كثيرا توقيع المؤسس الاتفاقية مع شركة (سوكال). وأن تلك المناطق ستكون بإذن الله نقلة كبيرة جدا لاقتصاد المملكة، وهي بمثابة (البئر رقم 8)، لكن هذه المرة في مجالات مختلفة؛ صناعية، وتقنية، و طبية، وتجارية، ولوجستية، وغيرها.
لن أخوض في تفاصيل ما ستقدمه المناطق الاقتصادية، ولكن سأذكر أهم المكاسب العامة، وتأثيرها في مستقبل الاقتصاد السعودي.
توطين الصناعات أول، وأهم المكاسب. وهذه الخطوة (أي جذب استثمارات عالمية) مرت بها دول صناعية كبرى. ففي بداية السبعينيات الميلادية وقعت الصين (الدولة الزراعية والبدائية، الخارجة من مجاعة قاتلة) مع الولايات المتحدة اتفاقية (الدولة الأحق بالرعاية)، ومن ضمن تلك الاتفاقية، انتقال بعض المصانع الأميركية للعمل في بر الصين الرئيسي، بمزايا كبيرة. النتيجة، أن توطنت تلك الصناعات في الصين، ثم أصبحت الصين فيما بعد المنافس الأول لأميركا. وذلك ما يحدث مع المكسيك، والهند، والبرازيل، وإندونيسيا، وغيرها من الدول الصناعية النامية. فوجود الشركات العالمية في مختلف المجالات، على الأراضي السعودية، لا شك أنه الخطوة الأولى والأهم لتوطين الصناعات المتقدمة فيها، وبالتالي تحول السعودية لدولة صناعية متقدمة.
أن يصبح الاقتصاد السعودي العمود الفقري لاقتصاد الشرق الأوسط. فالسعودية أكبر سوق في المنطقة، وأكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط، ووجود الشركات العالمية على أراضيها يجعلها أكبر منتج شرق أوسطي، يدعمها المزايا النسبية التي تمتلكها، كالموارد الأولية. والتسهيلات الكبيرة التي تقدمها تلك المناطق، ستكون مغرية للشركات العالمية، للقرب من أسواق الشرق الأوسط، من خلال أهم سوق فيه، خصوصا أن بعض الشركات العالمية كانت تعتذر عن عدم استثمارها في المملكة بمشاكل إدارية، ولوجستية، وليس لعدم الجدوى الاقتصادية. ويعزز ذلك التوجه، قرار حصر التعاقدات الحكومية مع الشركات التي لها مقرات إقليمية في السعودية فقط.
خلق عدد كبير من الوظائف النوعية. فما زال سوق العمل السعودي ضحلا نوعا ما، من حيث عدد، ونوعية الوظائف عالية المهارات، والدقيقة. ويجد الشباب السعودي من خريجي الجامعات العالمية، والمحلية، صعوبة في إيجاد وظائف لبعض التخصصات النوعية. وتواجد الشركات العالمية سيفتح لهؤلاء الشباب الباب على مصراعيه للعمل بوظائف تتوافق مع تخصصاتهم، والاستفادة من خبرات تلك الشركات، والعاملين فيها من الموهوبين والخبراء، خصوصا أن من مزايا تلك المناطق إعطاء تسهيلات كبيرة للشركات المستثمرة فيها، للتعاقد مع الخبرات العالمية، وتوظيفهم.
جعل (صنع في السعودية) منافسا لكبريات الصناعات العالمية، ورفع الثقة في الصناعات السعودية. فكثير من مستهلكي العالم لا يعرفون أن السعودية تملك صناعات ضخمة، ورائدة، لكن معظمها يتركز في الصناعات الأولية، والوسيطة، التي لا يراها المستهلك في المنتج النهائي. ولا شك أن المستثمرين العالميين، سيعززون الصناعات السعودية، مستفيدين من مواردها الأولية الكبيرة، ومن موقعها الاستراتيجي في قلب العالم، ومن سوقها الضخم، ومن مكانتها المميزة في المنطقة والعالم.
خفض تكاليف كثير من السلع والخدمات المستهلكة في السوق المحلية، وبالتالي خفض سعرها للمستهلك النهائي. فمن المعلوم أن المملكة تستورد معظم استهلاكها من السلع والخدمات، ومعظم ما تستورده لا يأتي من بلدان الشركات الأم، بل من بلدان تستثمر فيها تلك الشركات كفيتنام على سبيل المثال. فوجود تلك الشركات على الأراضي السعودية سيخفض الكثير من التكاليف، مثل النقل، والتأمين، والتخزين، وغيرها الكثير. كما ستحقق تلك الاستثمارات الاكتفاء الذاتي من سلع وخدمات متقدمة وغالية، ما يعزز الميزان التجاري للمملكة، بخفض واردتها ورفع صادرتها.
دعم الصناعات الوسيطة، والخدمات اللوجستية. وذلك لأن الشركات الكبيرة تخلق حولها الكثير من الصناعات والخدمات التي تعتمد عليها تلك الشركات في منتجاتها وخدماتها. ومن تابع نشوء، وتشغيل ميناء جازان الدولي على سبيل المثال، يدرك حجم الأعمال التي خلقتها الشركات الصينية العاملة هناك.
كل ذلك سيؤدي إلى دعم مكانة السعودية في الاقتصاد العالمي، وبالتالي زيادة قوة تأثيرها فيه. أولا من خلال علاقتها بالشركات العالمية القادمة من كبيرات الاقتصادات العالمية، وثانيا من خلال منتجاتها التي ستصل لجميع الأسواق العالمية.
أخيرا دعم نمو الناتج القومي السعودي، ورفع مكانتها بين دول العشرين لتصبح ضمن أقوى خمسة عشرة اقتصاد في العالم، وربما أفضل.
لكل ما سبق، لا أبالغ إن قلت إن (المناطق الاقتصادية) ستكون بعون الله بمثابة (البئر رقم 8)، لمستقبل الاقتصاد السعودي، كما كانت (البئر رقم 7) لماضيه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال