الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يستمد نظام الشركات السعودي الجديد الصادر بموجب القرار الوزاري رقم 678/1443 أهميته البارزة من أمور عدة ويأتي على قمتها دوره الهام في زرع بذور نظام الشركات العائلية المستدامة. وتتميز أحكام الشركات العائلية التي طرحها نظام الشركات بتوافقها مع الأهداف الاقتصادية التي ترتكز عليها رؤية المملكة 2030.
الأمر الأكثر أهمية هو أن نظام الشركات طرح غطاءً قانونيً يتيح لمؤسسي للشركات العائلية والشركاء والمساهمين فيها إبرام “ميثاق عائلي” (أو دستور عائلي) لإدارة الشركات العائلية وتنظيمها وحوكمتها. بالإضافة لذلك، يُحدد ميثاق الشركة العائلية الشروط والأحكام المتعلقة بسياسات العمل وتوظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتصرف في الأسهم وآلية تسوية المنازعات، وعلى الرغم من أن النظام لم يجعل من تبني ميثاقًا للشركات العائلية مسألة إلزامية، بل تركه أمرًا اختياريًا، مانحًا الأطراف الحرية في التوصل إلى اتفاق بشأن شروطه وأحكامه، إلا أنه بمجرد اعتماد الميثاق يصبح وثيقة تعاقدية ملزمة مما يمكن من تضمينه كجزء لا يتجزأ من مذكرة التأسيس للشركة.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن تبني ميثاقًا للشركات العائلية له العديد من الفوائد والتي لا تقتصر على دوره البارز كضمانة وقائية في مواجهة المنازعات وتوفيره إطارًا للخلافة والميراث مع تطور العائلة عبر الأجيال، ولكنه أيضًا يُحدد كيفية نقل الحقوق والالتزامات من جيل إلى آخر. وهذه الفوائد من الأهمية بمكان نظرًا لما شاع عن تفكك كثير من الشركات العائلية لاختلاف أفراد العائلة على مسائل الخلافة وتوزيع التركة التي تشمل أصولًا محلية وأجنبية واستثمارات. وبمعنى آخر، يمكن للشركة العائلية، من خلال اعتماد ميثاق قوي لها، التخفيف من مخاطر “عدم اليقين” وتصبح – من خلال نظرة استشرافية للأفاق المستقبلية – مؤسسة مستدامة بثروة وازدهار إضافيين.
ترك نظام الشركات الحرية لكل شركة عائلية في تبني ميثاقها الخاص من منطلق إدراك القائمين على وضع النظام لخصوصية كل شركة منها وظروفها المختلفة، ومن ثم يتوجب على كل شركة عائلية إسناد صياغة ميثاق الشركة العائلية إلى المستشارين القانونيين والخبراء الماليين الذين يمكنهم القيام بنظرة شاملة بزاوية 360 درجة على هيكل الشركة العائلية وتاريخها وأهدافها واستثماراتها وخططها المستقبلية للنمو والتطور، وبالتالي، يقومون بصياغة كل ما تقدم في إطار تعاقدي صحيح يحافظ على ما يتوصل له أفراد الشركة العائلية المعنية من شروط وأحكام.
وفي حين يستهدف ميثاق الشركة العائلية في المقام الأول وعلى الدوام الحفاظ على ثروة المؤسسة العائلية وتماسكها، فإن الاستدامة الحقيقية تكمن في توفير إطار للشركة العائلية لتضاعف ثروتها في المستقبل دون الانزلاق في النزاعات. وبمعنى آخر، تتمثل مهمة المستشارين الجيدين في إعداد ميثاق للشركات العائلية “يتطلع إلى المستقبل” مع إدراك أن الميثاق هو “وثيقة حية ونشطة” يمكن تعديلها أو تحديثها أو تكميلها من خلال مستندات تعاقدية إضافية تعتمد على متطلبات الأعمال الجديدة أو فرص الاستثمار.
وكما يقال أن الوقاية خير من العلاج ولكن عند التعرض لأزمة صحية ما فالخيار المثالي هو الاستعانة بالكفء من الأطباء للعلاج والتعافي وعلى نفس المنوال يأتي ميثاق الشركات العائلية فهو وقاية ولكن لكي تصل للدرجة المثالية يتعين على الشركات العائلية الاستعانة بالخبراء القانونيين المناسبين لتحقيق أقصى استفادة من الأحكام التي طرحها نظام الشركات. فدرهم وقاية اليوم من شأنه ليس فقط تمكين الشركة العائلية من تسهيل التزاماتهم التعاقدية وتجنب النزاعات في المستقبل، ولكن له أن يعدهم خير إعداد لتحقيق الاستفادة القصوى من فرص الأعمال والاستثمار في المملكة وخارجها.
ولا تقتصر فوائد القانون الجديد على استدامة الشركات العائلية ولكنها تتجاوزها وتزيد، فالشركات المتعددة الجنسيات التي تستهدف الاستثمار في المملكة ستنظر إلى التغطية القانونية المؤسسية الممنوحة للشركات العائلية باعتبارها خطوة على الطريق جديرة بالترحيب بها مما من شأنه تشجيعهم على الدخول في شراكات مع الشركات العائلية المستدامة. وبعبارة أخرى، يسهم نظام الشركات الجديد مساهمة مباشرة في تيسير الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يُشكل جزءً حيويًا في تنفيذ رؤية المملكة 2030.
تعد الأسرة كمؤسسة أساسية في تطور المملكة العربية السعودية، وهي القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي القوي في المملكة. وليس من المستغرب أن تشير التقارير إلى أن الشركات المملوكة لعائلات (أو ما يعرف بالشركات العائلية) تسهم بنسبة 66٪ في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
إن تقنين الميثاق كخطوة اختيارية وتشجيع الشركات العائلية على تبنيه هو ثمرة جهود على مر السنين للمركز الوطني للشركات العائلية والذي كان له إسهامات مميزة في عديد المبادرات في المملكة لدمج الشركات العائلية في النسيج الوطني وتوفير بيئة لنموها المستدام.
يهدف المركز، الذي تم إنشاؤه ككيان غير ربحي في عام 2019، إلى “إنشاء نظام شامل يسهم في استدامة الشركات العائلية ومساهمتها في التنمية الوطنية من خلال تقديم الخدمات والتواصل بفاعلية مع جميع الأطراف المعنية”. وقد قام المركز بطرح العديد من المبادرات المثمرة مثل تنظيم ندوات عبر الإنترنت ومؤتمرات وورش عمل، وإبرام اتفاقيات تعاون مؤسسية، وشرع في مناقشة المشاريع الوطنية مع الوزارات.
المؤلف حاصل على شهادة من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وهو مدير قانوني في شركة سي إم إس كاميرون مكينا، واحدة من أفضل عشر شركات قانونية دولية في العالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال