الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال ثمان وأربعين ساعة بين 8 و 10 مارس مر بنك سليكون فالي بدورة السقوط كاملة من إعلان خسائر إلى الحراسة القضائية مرورا بهلع المودعين وسحبهم ودائعهم. فبعد اعلان البنك يوم 8 مارس عن تكبده خسارة مليار وثمانمائة مليون دولار إثر تخلصه من 21 مليون دولار في محفظة السندات ضعيفة الأداء ، هرع المودعون وشركات الاستثمار المالي لعمليات سحب كبيرة من البنك في 9 مارس رمت بالبنك بعد يومين وتحديداً في يوم 10 مارس في احضان الحراسة القضائية.
لو رجعنا بالزمن قليلا وقارنا ماحدث لبنك سليكون فالي بما حدث لبنك ليمان براذرز عام 2008 لوجدنا أن دورة انهيار الأخير كانت أبطأ بكثير من دورة سقوط بنك سليكون فالي الصاروخية ، ولو رجعنا بالزمن أكثر وأكثر لوجدنا أن دورة سقوط المؤسسات المالية كانت تأخذ مدداً أطول مابين أول إعلان لاكتشاف الخسارة إلى إفلاسها أو دخولها تحت فصل الحماية من الإفلاس أو الحراسة القضائية . فماهو – ياترى – عامل التسارع المحفز الذي بدأ يهوى بالمؤسسات المالية بهذه السرعة الهائلة وإلى مدى سوف يستمر هذا التسارع وهل ستصبح دورة انهيارات المؤسسات المالية مستقبلا لا تتجاوز ساعات معدودة؟
لاشك أن الجميع يدرك أن عصر السرعة التقنية الذي نعيشه هو المسؤول الأول عن تقصير دورات الاقتصاد الصغرى والكبرى وتقصير عمر المنتجات والخدمات ، وهو عامل أتاح للمستهلك والمستثمر على حد سواء للحصول على مبتغاه من الخدمة والمنتج والعائد باسرع وقت ممكن وكأنهم في صراع لاختزال الزمن لتحويله إلى صفر.
السرعة في انتشار المعلومة الكترونيا والسرعة في معرفة الحقيقة والسرعة في التصرف الكترونيا بناء على المعلومة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية التي اصبحت تتحكم في نسق حياتنا وردود افعالنا حيال أي معلومة تردنا. رسائل الواتس وتطبيق تويتر والتنبيهات الالكترونية وتطبيقات الدردشة الأخرى تقوم بنشر أي معلومة في الفضاء الالكتروني خلال ثوانٍ معدودة. الفرق بين أزمة ليمان براذرز عام 2008 وأزمة بنك سليكون فالي عام 2023 هو سرعة انتشار المعلومة من خلال التطبيقات والاجهزة الذكية التي لم تكن آنذاك كحالها اليوم.
يرى روبرت شيلر – اقتصادي حائز على جائزة نوبل – أن مستقبل المالية سيكون مرهونا بيد سلوك المستهلك والمستثمر من جهة وبين تطور التقنية من جهة أخرى ، ولاشك أن أثر التقنية على سلوك وتصرفات المستهلك يزداد مع تطور التقنية وربما ستكون هي من يتحكم بسلوكه مستقبلا. التقنية التي تقوم على ثلاثة أسس هي السرعة والمرونة والمعلومة وهي عناصر لها مخاطرها المتشابكة المعقدة والخفية في بعض جوانبها تظل في ظل تقدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتعلم الآلي العميق والبيانات الضخمة خطراً يطل برأسه بين حين وآخر.
تصور أن لديك تطبيق مالي ذكي ومتطور جدا يقوم برصد الخطورة بناء على معلومة من المؤسسة المالية ثم يتصرف بذكاء نيابة عنك أنت وملايين المستثمرين أو المودعين أو العملاء فيحدث ذعراً وهلعاً لدى المؤسسة المالية فجاءة. ! أليس هذا أمر مرعب للمؤسسات المالية التي قد تسقط بسببه قبل أن تقوم بردة فعل تصحيحيه ؟ أم أنه عامل تحفيز لهذه المؤسسات لوضع انظمة واجراءات دقيقة لخفض المخاطر للحد الأدنى بدلا أن تجد أنفسها مفلسة خلال ساعات ؟
موضوع السرعة ( العدو الصديق) ومخاطرها وأثرها الصحي والاجتماعي والاقتصادي يطرق اليوم بشكل عميق في دوائر و مراكز الفكر والفلسفة والبحوث بشكل عميق واصبح مادة دسمة تأخذ حيزاً كبيرا من أذهان المفكرين والمستشرفين واطروحاتهم التي تطرح المخاطر والحلول والتوقعات على حد سواء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال