الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الملكية الفكرية .. حماية الأصول المعنوية
ملكيةٌ معنويةٌ مُستَقِلَّةٌ عن الملكية المادية
غذاء الحضارات المستقبلي لا ينحصر في الثروات، ولا الاقتصاد، ولا الأموال، وإنما يمتد إلى ما يغذيها من الأفكار التي تطرأ في عقل إنسان، فأصبحت منتج يستخدمه إنسان آخر.
فأعظم ما يقوم عليه العالم اليوم هو “الفكرة”! فبدون الفكرة لن تستطع قراءة هذا النص، لأنك تشاهده عبر هاتفك الذي هو في أصله كان فكرة في عقل صانعه، فهنا تكمن عظمة الفكرة، وقس على ذلك كل ما ينتجه العقل البشري.
بين السطور التالية رحلة قانونية قصيرة في الفكرة التي أنعشت دول، ومؤسسات، وأفراد بأن جعلتهم يستثمرون أفكارهم حتى أصبحت مصدر حياة.
ومن هنا يَتَرَكَّزُ معنى الملكية الفكرية في حماية الأصول المعنوية سواءً من حيث نِسبَتِهَا المعنوية لمالِكِهَا أم من حيث استغلالِهَا مالياً منه، ولها قيمةٌ معنويةٌ أو فكريةٌ يمكن تقييمها مالياً وقابلة للاستغلال صناعياً أو تجارياً أو مالياً.
فالملكية الفكرية هي ملكيةٌ مُستَقِلَّةٌ عن الملكية المادية؛ لأنَّها ملكية الحق المعنوي على الفكرة بِنِسبَتِهَا لمالِكِهَا وحَقِّهِ باستغلالِهَا، وهي ملكيةٌ مُستَقِلَّةٌ عن ملكية الشيء المادي ذاته المُرتَبِطُ بالفكرة؛ فالسمعة التجارية والعراقة المُستَقِلَّة عن ملكية العلامة التجارية كحروفٍ ماديةٍ مثلاً، كما أنَّ براءة الاختراع التي تَمنَحُ الحقَّ بنِسبَةِ الاختراع معنوياً والاستغلال المالي للاختراع تكون مُستَقِلَّةً عن ملكية الاختراع كآلةٍ ماديةٍ، وأيضاً حقُّ المؤلِّف المعنوي يكون على الفكرة المُستَقِلَّة عن الكتاب كورقٍ وحبرٍ.
أنظمة الملكية الفكرية السعودية..
والأصول المعنوية التي تحمِيهَا
يَنطَبِقُ في المملكة قانون (نظام) خليجي مُوَحَّد للعلامات التجارية؛ وذلك رغبةً بالمزيد من التناغم في البيئة التنظيمية الخاصة بالأسواق التجارية الخليجية، وتمهيداً للسوق الخليجي الموحَّد من حيث الأنظمة والقواعد.
العلامة التجارية التي يحمِيهَا النظام معنوياً ومالياً هي ببساطةٌ أيُّ شكلٍ مُمَيَّزٍ؛ بغضِّ النظر عن العناصر المادية التي تَشَكَّلَ منها، فقد تَتَشَكَّلُ العلامة التجارية من عناصرٍ لغويةٍ؛ مثل الأسماء أو الكلمات أو الأرقام.
وقد تَتَشَكَّلُ العلامة من عناصرٍ رسوميةٍ؛ كالرموز أو الشعارات التي تُشَكِّلُ لوحةً مرسومةً يمكن أن يُميِّزُهَا المستهلِكِين عن غيرها. كما يمكن للصور أن تُشَكِّلَ علامةً تجاريةً؛ مثل صورةٍ مُمَيزةٍ لنخلةٍ غريبة الشكل تَدُلُّ على منتج تمورٍ مُحدَّدٍ بعينِهِ.
أمَّا براءة الاختراع، فلا يتمُّ منحُهَا وفق النظام إلاَّ بعد التأكُّد من أنَّها فكرةٌ تؤدِّي إلى حلِّ مشكلةٍ معينةٍ في مجال التقنية، فالاختراع يجب أن يَحمِلَ جديداً لم يسبقْ أن تمَّ طرحُهُ، وهو يُشكِّلُ مُنتَجَاً مستقبلياً قابلاً.
ولا يكفي أن يُمثِّلَ الاختراع حلًّا تقنياً نظرياً؛ مثل النظريات العلمية أو المخطَّطات التجارية الذهنية المحضَةِ، بل يجب أن يكون مُبتَكَرَاً غير بديهياً، وقابلاً للتطبيق في المجال الصناعي.
أي أنَّ الاختراع القابِلَ للحصول على البراءة قد يكون عمليةً صناعيةً جديدةً تَختَصِرُ الوقت أو مُنتَجَاً جديداً؛ ويَشمَلُ ذلك القطاعات الصناعية، أو الزراعية، أو الخدمية، وغيرها.
ومن العناصر التي يَحمِيهَا النظام أيضاً حق استغلال الدارات الإلكترونية المُتَكَامِلَةِ التي تقوم بعملٍ مُتَكَامِلٍ ضمن شكلٍ ماديٍّ واحدٍ، فهذه الدارات قد لا تُشكِّلُ اختراعاً لكنَّها مادةٌ قابلةٌ للاستغلال الصناعي، وكذلك يندرج في هذا الإطار تطوير الأجيال النباتية.
تُعتَبَرُ النماذج الصناعية من أهم العناصر الواجب حمايَتِهَا أيضاً، لأنَّها تَمنَحُ المُنتِجَ قدرةً تنافسيةً مقارنةً بباقِي المنتجين؛ فهذه النماذج هي عبارةٌ عن رسوماتٍ ثنائية أو ثلاثية الأبعاد، وهي جزءٌ من العملية الصناعية؛ كتصميم الأزياء أو المنسوجات. فهي ليست تغليفاً بل تصنيعاً.
وقد غرَّمت الهيئة السعودية لحماية الملكية الفكرة إحدى المؤسسات التجارية بملغ مالي، مع التعويض المادي؛ لأنَّ المؤسَّسة قامت باستغلال نماذجٍ صناعيةٍ وهي عبارةٌ عن إكسسوارٍ للذهب والألماس، عبر نَشرِهَا على صفحة المؤسَّسة دون إذنٍ (قرار 34-39).
أمَّا المُصنَّفات التي تحميها حقوق المؤلِّف، فهي تلك النظرية التي لا تَصِلُ إلى مستوى الاختراع الصناعي، لكنَّها مُصنَّفاتٌ مميزةٌ أدبياً أو فنياً أو علمياً، حتى وإن كانت نظريةً مَحضَةً؛ كالكتب، والرسوم، والأناشيد، والبرمجيات، وغيرها.
فحتى الصور التي يلتَقِطُهَا الشخص لا يجوز لأية جهةٍ أخرى استغلالَهَا إلاَّ بإذنِهِ، وقد حَكَمَت الهيئة السعودية للملكية الفكرية بالتعويض المادي على وكالة أنباءٍ لأنَّها وَضَعَت صورةً التقَطَهَا أبٌ لِطفلِهِ دون إذنٍ منهُ (قرار 24-39).
هذه المُصنَّفات قد تَتَحَوَّلُ إلى مادةٍ للاستغلال التجاري المكتوب أو المسموع أو المرئي، فيمكن لمعد بودكاست أن يَبِيعَ حقوق استغلالِ إعداده وصوته لشركة مونتاج، لكن بالمقابل هذه الشركة لا يَحِقُّ لها أن تَمنَعَهُ من المشاركة بمعلوماته بغَيرِ قَصدِ الاستغلال التجاري.
وأخيراً، من أهمِّ الأصول المعنوية التي تَحمِيهَا الأنظمة السعودية، هي الأسرار التجارية؛ ويُشتَرَطُ للسر التجاري حتى يكونَ مَحمِيَّاً أن يَصعُبَ الحصولُ عليه، وأن تكون قِيمَتُهُ في سريَّتِهِ، وأن يعمل التاجر على حمايَتِهِ؛ كالمعلومات الخاصة بالعقود التجارية الحصرية التي تَمنَحُ المُنتِجَ أفضليةً تنافسيةً عن غَيرِهِ.
أهم الإشكاليات النظامية في حماية الملكية
أولاً: الشك في الأصالة
أهمُّ نقطةٍ قد تُثَارُ في أيِّ جدالٍ أو منازعةٍ قضائيَّةٍ، هي: هل المادة المطلوب حمايَتُهَا أصيلةٌ؟ أي هل هي مبتكرةٌ حتى تكونَ جديرةً بالحماية؟
مبدئياً، فإنَّ الشك بالأصالة يَنتَهِي مع تسجيل الملكية الفكرية لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية، لكن هذا التسجيل ليس بقطعيٍّ، فقد يُحاوِلُ شخصٌ فَسخَ التسجيل ونَسبِ الملكية لِمَصلَحَتِهِ، أو يُحاوِلُ الشخص المُتَّهَمِ بانتهاك الملكية إثبات وجود خطأٍ في التسجيل.
بالتالي، مهما كانت المنازعات في الملكية الفكرية، فإنَّها تبدأ بالأساس من الأصالة؛ سواءً أكان ذلك عبر إثبات أصالة المُصنَّف أم الأصالة بموجب التسجيل في الهيئة، أم عبر إنكار الأصالة وفسخ التسجيل في الهيئة.
بالنسبة للعلامات التجارية، فإنَّ أصالَتَهَا تَكمُنُ في تَمَيُّزِهَا، أمَّا إذا كان تَمَيُّزُهَا بسيطاً أو تَشَابَهَت مع أية علاماتٍ أخرى أو ثَبَتَ أنَّها منسوخةٌ من رموزٍ دينيةٍ أو ثقافيةٍ معروفةٍ، فإنَّ إثبات أصالة العلامة يُعتَبَرُ صعباً، وقد يخسر صاحِبُهَا دعوى حمايَتِهَا.
وقد ردَّت الهيئة السعودية للملكية الفكرية إحدى الشكاوى المقامة ضدَّ مؤسَّسةٍ معينةٍ؛ لأنّ هناك اختلافٌ بين الشعار المُدَّعَى بتقليدِه بالمقارنة مع الشعار الأصلي (قرار 1-39).
أمَّا بالنسبة للنماذج الصناعية، فهي أكثر تَمَيُّزَاً كونُهَا تَدخُلُ في الصناعة، لكن التشابه في النماذج أمرٌ ممكنٌ؛ لذا فإنَّ النموذج غير الأصيل تماماً يمكن قبول فكرة استعمالِهِ بسبب توارُدِ الخواطر بحسن نيةٍ، وهو ما يَمنَعُ عقوبة انتهاك الملكية.
لكن بشأن براءة الاختراع، فإنَّ مسألة الأصالة تكون أكثر جوهريةً، حتى أنَّ الجهة المعنية تتريَّث كثيراً في الدراسة والتمحيص للتأكُّد من أنَّ الفكرة -موضوع الاختراع المُقتَرَحِ- هي أصليةٌ ومبتكرةٌ، كما أنَّ الابتكارات الصناعية تَختَلِفُ بالشكل والوظيفة معاً.
وبخصوص أسرار التاجر، فهي من الأمور التي تَحتَاجُ إلى إثبات السرية قبل إثبات الأصالة، فإذا كانت المعلومات التي يطلُبُ التاجر حمايَتَهَا سريةً فعلاً، وكانت مُؤثِّرَةً في تجارَتِهِ؛ فهي إذاً أصيلةٌ وتَستَحِقُّ الحماية.
في حين أنَّ الأصالة هي محلُّ بحثٍ شائكٍ لا يَنتَهِي بخصوص حقوق المؤلف، لأنَّ المُصنَّفات محلّ الحماية هي -في جُلِّهَا- أدبيةٌ أو فنيةٌ أو علميةٌ يمكن أن يَحدُثَ فيها توارد الخواطر بشكلٍ كبيرٍ، لذا فإنَّ إثبات انتهاك أصالة المُصنَّف النظري يجب أن يكون صَارِمَاً.
فعلى سبيل المثال، إذا قام شخصٌ بسرقة بحثٍ علميٍّ لباحثٍ شهيرٍ، فيَصعُبُ إثبات السرقة إلاَّ إذا كان الاقتباس من البحث الأصلي حرفياً، أمَّا إذا كان على شكل تلخيصٍ؛ فإنَّ التشابه في المعنى والمصطلحات لا يمكن معه الجزم بالسرقة.
ثانياً: وقت طلب الحماية القانونية للملكية الفكرية
(شكلية الأصالة)
إذا كانت الأصالة أمراً قابلاً للإثبات، فإنَّ وقت تسجيل الملكية الفكرية تَجعَلُ من الأصالة أمراً شكلياً؛ فمثلاً إذا تحدَّث المخترع عن سرِّ اختراعِهِ لشخصٍ ما، فقام هذا الشخص بتسجيل الاختراع باسمِهِ، فإنَّ الأخير يكون هو صاحب براءة الاختراع.
والمشكلة هي أنَّ إثبات عكس ما هو ثابتٌ في سجلاَّت الهيئة يَحتَاجُ إلى براهينٍ قويةٍ قد لا تتوفَّر لدى المخترع الأصلي صاحب الفكرة الأصيلة فعلياً، لذا تَبقَى الحماية -في هذه الحالة- للمخترع الوهمي صاحب الأصالة الشكلية.
وهنا يأتي دور نظام الإثبات في منح المزيد من الوسائل المرنة لإثبات أصالة الملكية الفكرية ونسبتها إلى صاحبها المبدع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال