الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية خبر افتتاح أربع مناطقٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ، أصبَحَ ظَاهِرَاً أنَّ المملكة تسير بِتَسَارُعٍ نحو تطبيق استراتيجيتها 2030 الهادِفة إلى جَعلِهَا مركزاً إقليمياً وعالمياً للتجارة الدولية.
المناطق الاقتصادية الجديدة لا يميزها فقط المرونة في التنظيم والإدارة، لكنَّها سَتُقدِّم فُرُصَاً استثماريةً مُتَنَوِّعَةً قادِرَةً على تغطية البيئات الاقتصادية الوَاعِدَة في المستقبل.
وهذه المشاريع العملاقة ستجعل المملكة – بإذن الله- نقطة جذبٍ عالميةٍ للمشاريع الاستراتيجية، حتى يُصبِحَ الإقليم الوطني السعودي حلقةً أساسيةً من حلقات سلاسل الإمداد العالمية.
ارتباط رؤية 2030 مع التجارة الدولية
من الجانب الاقتصادي، فقد ركَّزَت الرؤية على فكرة الشراكات الدولية؛ رغبةً بالمزيد من المكانة الاقتصادية على مستوى الصناعة والتجارة والاستثمار المباشر.
وتَعنِي هذه الشراكات ببساطةٍ، ليس مُجرَّدَ إبرامِ صفقة تبادلٍ تجاريٍّ بين الحين والآخر، بل نرى أنَّها تَعنِي تَرسِيخَ ثقافة الالتزام والجودة في آنٍ واحدٍ، كما يلي؛
فإذا تَحَقَّقَت هذه الشراكات التجارية الدولية، أصبَحَتْ الأبواب مفتوحةً لاقتصاد الدولة حتى يَستَفِيدَ من محاورٍ عديدةٍ، أهمُّها:
المراكز الإقليمية للشركات..
وارتِبَاطُهَا بمفهوم الشراكات التجارية الدولية
طالما كان توجُّه المملكة نحو توسيع مساحة الشراكات التجارية على مستوى دولي، فإنَّ تحقيق هذا الأمر لا يكون عبر المؤتمرات الدولية فقط، لأنَّ الشراكات تَحتَاجُ إلى نشاط على مستوى القطاع الخاص، وليس بمُجَرَّدِ الجهد الحكومي.
فالشركات الأجنبية الراغبة بتسوية صَفَقَاتِهَا من خلال المملكة، يجب أن تَجِدَ بيئةً مُنَاسِبةً لها، وذلك من خلال أنظمة مرنة؛ بلا تعقيداتٍ روتينيةٍ، ودعمٌ لوجستيٌّ كافٍ من القطاع الخاص؛ بما يَشمَلُ توفير المواد الأولية، وخدمات النقل السريع، والتسويق الذكي، والوكلاء التجاريِّين، وغيرها.
فإذاً، تحتاج الشركة العالمية إلى ما يُشبِهُ الاحتضان الاحترافي للعمل التجاري؛ بعدها تَقُومُ مثل هذه الشركات بوضع المملكة ضمن خُطَطِهَا الإنتاجية والتسويقية.
وفي مرحلةٍ تاليةٍ، سَتَرغَبُ الشركات العالمية مُتعدِّدَةِ الجنسيات بإقامة مركزٍ إقليميٍّ لها في المملكة، عندها تكون خُطَّة الشراكات التجارية الدولية قد بَلَغَت مستوى رائداً.
فالشركات العالمية إذا أقامت مراكزاً إقليمية، تَستَفِيدُ الدولة بما يلي:
لكن تحقيق رؤية 2030 لا تَنحَصِرُ في جَذبِ المراكز الإقليمية للشركات العالمية؛ لأنَّ هذه المرحلة تُعتَبَرُ مرحلة أولية للمرحلة التالية الأكثر أهمية للاقتصاد الوطني، عندما يَحيِنُ مَوسِمِ قَطفِ ثِمَارِ هذا الجهد التنموي الطويل.
استقطاب سلاسل الإمداد..
تحوُّل المملكة إلى مركز الثقل الأساس في التجارة الدولية
بعد أن يتمَّ جَذبُ المراكز الإقليمية للشركات العالمية، وبمُجَرَّدِ تَحَوُّل المملكة إلى مركزٍ تجاريٍّ وصناعيٍّ أساسيٍّ بالتصدير لدول الجوار؛ يكون موعد التحوُّل التجاري الوطني قد حانَ كما بشَّرت المُبَادَرَةُ الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية في أكتوبر 2022.
ففي هذه النقطة التاريخية، يكون باستطاعة المملكة جَذبَ، ليس فقط مجموعةٍ من الشركات العالمية، بل سلاسل الإمداد العالمية بِكَامِلِ حَجمِهَا الدولي، وبِكَافَّةِ عناصر التصنيع، وبمُختَلَفِ مراحل الدعم اللوجستي.
الأنظمة ومُسَاهَمَتُهَا في رَبطِ سلاسل الإمداد
تَلعَبُ الأنظمة دوراً جوهرياً في تحقيق رؤية 2030 المرتبطة بخطَّةِ جَعلِ المملكة مركزاً عالمياً لسلاسل الإمداد بما يُسَاهِمُ في تسريع خطَّة التحوُّل الوطني.
ويمكن إجمال أهمِّ هذه الأدوار التنظيمية، فيما يلي:
أولاً: تأسيس الشركات؛ يَلعَبُ نظام الشركات دواراً محورياً في تسهيل مهمَّة تأسيس الشركة ومرونة إدارَتِهَا وحتى حَلِّهَا وتصفِيَتِهَا مع حفظ حقوق الشركاء.
وبالنظر إلى نظام الشركات الجديد 1444 فقد سَهَّلَ إجراءات تأسيس الشركة المساهمة من جهةٍ، وسَمَحَ بتأسيس شركة المساهمة “المُبَسَّطَةِ” دون أية قيودٍ من حيث رأس المال أو الإدارة، حيث سَمَحَ النظام للمساهمين بتأسيس شَرِكَتِهِم عبر هيكلةٍ اتفاقيةٍ كاملةٍ وفق نظامِهَا الأساس، فلا يُوجَدُ حدٌّ أدنى لرأس المال.
هذا التسهيل النظامي في تأسيس إحدى أهمِّ أنواع الشركات من حيث الشكل القانوني –شركة المساهمة- يَصُبُّ في خانة نجاح عملية استقطاب الشركات العالمية لتأسيس شركاتٍ تابعةٍ لها في المملكة.
ثانياً: تحوُّل الشركات نحو شكل “المُسَاهَمَة”؛ حيث يمكن للشركات العالمية الراغِبَةِ بالاستثمار في المملكة أن تُسَيطِرَ على أغلبية حصص التصويت في أية شركةٍ محلية ثم تُحَوِّلها إلى شركةٍ مُسَاهَمَةٍ. وهكذا يتمُّ تنمية رأس المال عبر إدخال شريكٍ عالميٍّ ذو رؤيةٍ تشغيليةٍ رائدةٍ، وخبراتٍ مُتَرَاكِمَةٍ، وسُمعَةٍ عَطِرَةٍ بالتجارة الدولية.
ثالثاً: زيادة رأس المال والاكتتاب بالأسهم؛ حيث يَكسَبُ اقتصاد المملكة وقتاً مُضَاعَفَاً مع تنمية سوق الإصدار في رأس المال؛ لأنَّ المستثمر القادر على ضخِّ سيولةٍ في السوق يستطيعُ تمويل الشركات المساهمة المحلية والأجنبية القائمة بما تَحتَاجُهُ لعقد اتفاقياتِ شراكاتٍ دوليةٍ تُسَهِّلُ عملية التحوُّل الاقتصادي الوطني.
وهذا يَتَطَلَّبُ تسهيل عملية زيادة رأس المال عبر طَرحِ أسهمٍ جديدةٍ للاكتتاب، سواءً عبر تحويل الاحتياطي إلى أسهم منحةٍ أم عبر زيادة رأس المال باكتتابٍ جديدٍ.
رابعاً: مرونة سوق تداول الأسهم؛ حيث إنَّ قدرة أيَّ سهمٍ على التَحَوُّلِ إلى سيولةٍ من خلال التداول تُمثِّلُ عُنصُرَاً حَاسِمَاً في سُمعَةِ الشركة ونجاح إدراجِهَا في السوق المالية “البورصة” من جهةٍ، وتُسَاعِدُ الشركة على تحصيل المزيد من التمويل وطرح المزيد من الأسهم بدلالة سيولة سهَمِهَا وجاذبيَّتِهِ من جهةٍ أخرى.
خامساً: حماية الأصول المعنوية والملكية الفكرية؛ الشركات العالمية لن تَقُومَ بالاستثمار إذا شَعَرَت بخطرٍ على أصولِهَا المعنوية بخصوص حماية علامَتِهَا التجارية من التزييف مثلاً، فلا يجوز استغلال أسرارِهَا التجارية وبراءات الاختراع التي تَملِكُهَا إلاَّ بإذنِهَا.
ويتمُّ تنظيم العلامات التجارية في المملكة عبر قانونٍ (نظامٍ) خليجيٍّ مُوَحَّدٍ، الأمر الذي يُسَاهِمُ في توحيد المعاملة بالنسبة للشركات العالمية الراغبة بافتتاح مركزٍ إقليميٍّ لها في المملكة، بغرض تسويق وتوزيع مُنتَجَاتِهَا في كامل الخليج العربي.
سادساً: تفادي الإفلاس بالتسوية والهيكلة؛ حيث إنَّ الإفلاس هو أسوأ مصيرٌ للشركة، فإنَّ نظام الإفلاس قد حَاوَلَ تفادي هذا المصير عبر تنظيم الصلح الواقي، أو حتى إعادة التنظيم المالي (إعادة الهيكلة) والغرض منها تغيير شكل المشروع وحجم رأس ماله حتى يستعيد ربحيَّتِهِ مع ضمان سداد الديون بإشرافٍ قضائيٍّ.
تُسَاهِمُ ضمانات التعثُّر المالي ومن ضِمنِهَا التسوية مع الدائِنِين وإعادة الهيكلة في جَذبِ الشركات العالمية التي تَخشَى التعثُّر في البداية.
بالتالي، لم يعدْ الطريق طويلاً نحو رؤية 2030، فالمملكة تَسِيرُ بشكلٍ ثابتٍ نحو الطموح، وبرنامج التحوُّل الوطني يُرَافِقُ هذه المراحل.
وفي الحقيقة، لا تَصنَعُ المملكة مَجدَاً جديداً بل مُستَجِدَّاً من أيام ما كانت الجزيرة العربية مركزاً أساسياً للتجارة الدولية على طريق الحرير؛ فالحضارة العريقة تَفرِضُ نفسها من جديد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال