الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في النصف الأول من شهر مارس الماضي، كانت هناك سلسلة من الانهيارات للبنوك الأمريكية. أولاً ، شهدت شركة Silvergate Capital سحب عددًا كبيرًا من الودائع في نهاية عام 2022 ، وفي بداية هذا العام أعلنت أنها ستقوم بتصفية أصولها. وكان ذلك أول انهيار في النظام المصرفي. ثم انتقلت الازمة إلى بنك Silicon Valley Bank ،حيث تم وضعه تحت الحراسة القضائية من قبل Federal Deposit Insurance Corp. (FDIC). حدث ذلك بعد أن شهد البنك سحب للودائع والتي بلغت 42 مليار دولار في يوم واحد. بعد بضعة أيام ، أعلن المنظمون عن إغلاق البنك. بعد هذه الأحداث بوقت قصير ، اضطر بنك كريدي سويس بعد أزمة انهياره إلى الموافقة على حل الاستحواذ. لقد هزت هذه الأحداث بلا شك القطاع المصرفي بأكمله وجعلت مستثمري البنوك ينظرون بجدية إلى مقدار الودائع غير المؤمنة التي يمتلكها البنك و معدل الخسائر غير محققة في محافظ سندات البنوك.
السؤال، هل انتهت سلسلة الانهيارات المصرفية؟
في الحقيقة، لا. بنك First Republic الآن من البنوك الذي يتعرض لازمة قد تجعله ينهار ايضا. اشارت الاخبار حول هذا المصرف أنه شهد خلال الشهر الماضي سحب للودائع بقيمة تتجاوز 70 مليار دولار. مما أدى الى انخفاض سعر السهم خلال شهر واحد من مبلغ 115 دولار للسهم الى 13 دولار. ولإنقاذ البنك، تكاتفت البنوك الامريكية وعلى رأسها بي جي مورجان وبنك أوف أمريكا وغيرها من البنوك الامريكية الى ضخ مايقارب 30 مليار دولار كودائع في البنك وذلك من أجل بث الثقة في العملاء و في النظام المصرفي ككل.
وكما اشار المدير التنفيذي لبنك بي جي مورجان، فإن الأزمة الحالية لم تنته بعد ، وحتى عندما تنتهي هذه الازمة ، ستكون هناك تداعيات ناتجة عنها لسنوات قادمة”. وأضاف: “لكن الأهم من ذلك أن الأحداث الأخيرة لا تشبه ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008”.
والسبب في ان الازمة المصرفية التي يمر فيها العالم الآن مختلفة عن أزمة 2008، أن سبب الأزمة آنذاك كان بسبب الرهن العقاري وما ترافق معه من تداعيات. لكن الازمة الحالية، هي اكثر تعقيدا من الازمة السابقة. فالأزمة الحالية ليست فقط بسبب رفع نسبة الفائدة و التضخم، فهذا التصرف ليس تصرفا مفاجئا للعاملين والمتخصصين في القطاع المصرفي. وإن كان لهذا الأمر دور مهم في الانهيارات، ولكنه ليس هو السبب الرئيسي.
العالم المصرفي معقد، وبالتالي، قد يكون من الصعب تحديد المكان الذي قد تكمن فيه الهشاشة الجديدة. ويعتبر من أهم أسباب الانهيار هو تراجع معدل الثقة في القطاع المصرفي خصوصا بعد رفع معدل الفائدة. فلو كان معدل الثقة مرتفع، فرفع نسبة الفائدة قد يؤثر في استقرار البنوك و أرباحها، ولكن لا يؤدي الى انهيارها. تراجع معدل الثقة يعود لاسباب كثيرة، اهمها ضعف إدارات المخاطر. بمعنى آخر، ارتفاع معدل المخاطرة في القرارات التي يتخذها المدراء التنفيذيون. حيث ان المدراء التنفيذيون يعتمدون في اتخاذ قرارات ذات مخاطر عالية من أجل تحقيق أرباح سريعة بهدف رفع نسبة المكافآت التي يحصلون عليها. وهذا يعني أن هناك تحديات تشريعية من أجل ضبط عملية صنع القرار في القطاع المصرفي. حيث أن هذه المسألة تعتبر من المسائل التي لم يتم دراستها والبحث فيها بشكل وافي، اذا انها هي من التحديات الحديثة التي تواجه هذا القطاع. فرغبة الرؤساء التنفيذيون بالحصول على مكافآت عالية تجعل عملية صنع القرار منصبة على تعظيم الأرباح الحالية بغض النظر عن مصلحة البنك على المدى الطويل. وهذا ما حدث بالضبط مع بنك كريدي سويس و و السيليكون فالي والبنوك الاخرى التي انهارت او التي تعاني من ازمة ثقة. بالاضافة الى ذلك، ضعف نظام التأمين على الودائع، وهذا يجعل العملاء يستجيبون لأي أخبار سلبية اتجاه البنوك مما يقودهم الى سحب ودائعهم قبل ان ينهار البنك ويتحمل العميل ويلات الإفلاس.
علاوة على ذلك ، فإن التوتر و انخفاض معدل الثقة حول سلامة البنوك غالبًا ما يكون معديًا. وإذا بدأ الناس في القلق بشأن ودائعهم و أموالهم، فيمكنهم نقلها من البنك بنقرة على الماوس.
الى الان لم يحصل إعلان إفلاس لبنك، ولكن حتى لو لم نشهد الانهيار التام، فموضوع الثقة هو العلامة الفارقة في الأزمة المالية الحالية.
لذلك، نجد ان هناك مطالبات من أعضاء الكونغرس ومن بعض العاملين والمتخصصين بالقطاع المصرفي الى الحاجة الماسة لإعادة تقييم الأنظمة المصرفية الأمريكية، وتحاول اعادة رسم السياسات القوانين المصرفية و تعديلها بشكل يساهم في مواجهة المشاكل الحالية والمتمثلة بشكل أساسي في السيطرة على مستوى الثقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال