الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم الاتِّجاه العالمي نحو الخصخصة أو تخصيص المشاريع المملوكة للدولة، إلاَّ أنَّ الدولة لا تَقُومُ بنقلِ ملكية أو إدارة كلِّ مشارِيعِهَا، بل تَحتَفِظُ بقسمٍ من الأصول الناجِحَة المملوكة لها حتى تكونَ استثماراً مباشراً منها في السوق من جهة، ويداً حكوميةً لتطبيق السياسات العامَّة خلال الأزمات التي قد تَجتَاحُ السوق من جهةٍ أخرى.
فلا يَنحَصِرُ دورُهَا في تنظيم السياسة المالية والنقدية والتجارية، بل يكون عليها -في الكثير من الأحيان- التدخُّل كعنصرٍ أساسيٍّ في السوق.
فالحرية التامَّة للعرض والطلب تَنتَهِي غالباً إلى الأزمات، خاصَّة إذا كانت فئة التجَّار وكِبار المستثمرين قادرةً على تحريك قوى السوق، وزيادة الأسعار، وخفض الجودة؛ بغاية تخفيض تكاليف الإنتاج، ومُضَاعَفَةِ الأرباح.
لذا، يَحمِلُ تدخُّل الدولة في اقتصاد السوق غايتَيْن أساسيَّتَيْن:
أولاً: دور الدعم الحكومي التقليدي (موازَنَة العرض والطلب في السوق): حيث يكون تدخُّل الدولة بغرض زيادة العرض في مقابِل الطلب الكثيف؛ لتخفيض الأسعار في فترات الأزمة، أو شحّ السلع، أو غلاء سلعٍ بعَينِهَا، أو التضخُّم، وغيرها من الحالات.
يؤدِّي قيام الدولة بدورِهَا في الدعم الحكومي إلى استنزاف موارِدِهَا لأنَّها في النهاية تَدخُلُ معركةً خاسِرَةً مع تجَّار القطاع الخاص، الذين سينتظرون انتهاء تدخُّل الدولة حتى يرفعوا الأسعار مُجدَّداً، في الوقت الذي تكون فيه الدولة قد خَسِرَت كميةً كبيرةً من السيولة عبر البيع بهامش الخسارة بغرض موازنة العرض والطلب ثم تخفيض الأسعار على الناس.
ثانياً: دور التدخُّل الحكومي الاستراتيجي (استثمار المال العام): وهو ما يَعنِي قيام الدولة باستثمار المال العام في سوقِهَا، ليس على شكل دعمٍ خاسرٍ تجارياً، بل على شكلٍ تجاريٍّ مُنضَبِطٍ وهَادِفٍ للربح؛ بحيث يَكفَلُ الممارسات السوقية العادلة والتسعير المعقول بشكلٍ تلقائيٍّ دون تدخُّلٍ مباشرٍ في السوق.
ويمكن أن تقوم الدولة بالتدخُّل الاستراتيجي عبر أسلوبَيْن:
(1) شراء أصول في شركات القطاع الخاص من صندوق للاستثمارات العامَّة؛ وهو الأسلوب الذي يُخَلِّصُ الدولة من عبء التأسيس والإدارة والتشغيل، لكن المال العام يَبقَى تحت إدارة القطاع الخاص في هذه الحالة، وذلك حتى تُسَيطِرَ الدولة على أغلبية رأس مال الشركة ثم تصبح تابعة لإدارة الشريك الحكومي، لكن حتى في هذه الحالة تبقى الأقلية من القطاع الخاص.
(2) تأسيس شركاتٍ مملوكةٍ بالكامل للدولة، وهو الأسلوب الذي يُرهِقُ الدولة إدارياً، لكنَّه يَكفَلُ لها قوةً كبيرةً على مستوى التوازن المالي والدعم اللوجستي.
فعلى الرغم من الاتجاه العالمي نحو أسلوب صناديق الاستثمار السيادية التي تَملِكُهَا الدولة، فإنَّ الصيغة الأساسية من التدخُّل الاستراتيجي للدولة في سوقِهَا يكون أكثر تأثيراً من خلال تفعيل أسلوب الشركات المملوكة للدولة، وذلك للأسباب التالية:
بينما بإمكان الدولة تحريك شركاتِهَا المملوكة لها بالكامل باتِّجاه الربح، مع استعداد هذه الشركات لموازَنَة السوق دون أن تتأثَّر مالياً بخسارةٍ مؤقتةٍ في أوقات الأزمة؛ لأنَّ سياسة الشركة تكون بالأساس ربحيةً، مع وجود مخزونٍ كافٍ من السيولة للتدخُّل في السوق.
بينما تستطيع شركات القطاع العام المملوكة للدولة أن تُقدِّمَ عروضاً قوية للمناقصات العامَّة، ليس بهدف الربح فقط، بل أيضاً دعمَاً للمصلحة العامَّة التي تكون جزءاً من سياسة الشركة، دون أن يتعارَض هذا الأمر مع حوكمة شركات القطاع العام.
بناءً عليه، فمن الضروري أن تُصدِرَ الدولة نظاماً خاصَّاً بالشركات المملوكة لها، والتي تَختَلِفُ عن المؤسَّسات الحكومية في أنَّ الشركة تتَّمتع بشخصيةٍ وذمةٍ ماليةٍ وإدارةٍ مُستَقِلَّةٍ تحت إشرافٍ حكوميٍّ، وتَختَلِفُ عن شركات القطاع الخاص من حيث قيود تأسيسها، وتحريكِهَا للمال العام وسياسَتِهَا العامَّة، واستهدافِهَا للمصلحة العامَّة في الأوقات الاستثنائية.
من هذا المُنطَلَق، فقد أصدَرَت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) معاييراً خاصَّة بحوكمة الشركات المملوكة للدولة، وهي تُمثِّلُ إرشاداتٍ دوليةٍ لكيفية التعامل مع إدارة شركات القطاع العام.
وقبل أن تُبيِّنَ المعايير الدولية كيفية إدارة شركات الدولة، بدأت من مُبرِّرَاتِ ملكية الدولة للشركات، حيث وَضَعَت هذه المُبرِّرَات في إطار (صـ16):
وقد تضمَّنت المعايير الأساسية لحوكمة شركات الدولة العديد من المبادئ المُتَقَابِلَةِ، أهمُّها:
وبكلمةٍ مختصرةٍ، بإمكاننا القول بأنَّ المبدأ الأساسي لحوكمة شركات القطاع العام هو تكافؤ الفرص الاقتصادية بين الشركات العامَّة والخاصَّة من جهةٍ، وعدالة الثمار السوقية من سلع وخدمات تجاه المستهلكين من جهةٍ أخرى.
فإذا استطاعَت الدولة تحقيق هذه المعادلة، استقرَّت سوقها بفعل قوى العرض والطلب الطبيعية، وكانت للدولة اليد الطُّولَى في أوقات الأزمات؛ ليس بأسلوب الدعم المرهق، بل عبر تفعيل أدواتِهَا السوقية وهي شركاتُهَا القادرة على تحقيق السياسة العامَّة والحفاظ على قوة مركزها المالي في آنٍ واحدٍ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال