الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدأت محاولات إصلاح سوق العمل السعودي منذ فترة طويلة، وأكثرها جدية كانت منتصف التسعينيات الميلادية نتيجة لحرب الخليج وتداعياتها على سوق العمل. ولم تحقق تلك المحاولات نجاحا يذكر لعدة أسباب أهمها؛ أولا: أن الإصلاحات ركزت على (الهيكل الثاني) من السوق (القطاع الخاص)، وتجاهلت تماما إصلاح (الهيكل الأول) (القطاع الحكومي).
ثانيا :انصبّت الإصلاحات على خفض مشكلة البطالة، بفرض توظيف السعوديين على القطاع الخاص، مع تحفيزات بسيطة جدا، تمثلت في دعم الأجور المتدنية، وتحمل بعض الأعباء عن رجال الأعمال.
ثالثا: تجاهلت الإصلاحات أمرين مهمين جدا؛ الأول تحسين كامل بيئة العمل في القطاع الخاص لتتقارب مع بيئة القطاع العام في جوانبه الإيجابية. ثانيا العمل على الربط بين الهيكلين بحيث تصبح الحركة بينهما سلسلة ومرنة، ودون تأثير كبير في نمط حياة وعمل الموظف، إلا بقدر ما يحدثه الانتقال من عمل لأخر، وليس الانتقال من نظام عمل إلى آخر.
رؤية السعودية 2030 نظرت لسوق العمل السعودي ككتلة واحدة بشقيه الحكومي والخاص، وتلمست جوانب القصور في كل جانب، كما رأت الإيجابيات في كليهما. وبدأت الإصلاحات في كل هيكل بشكل منفصل نوعا ما.
في القطاع الحكومي اهتمت الإصلاحات برفع إنتاجية المؤسسات الحكومية، وكفاءة أداء الموظف، واستقطاب الخبرات والمواهب في كافة التخصصات. وإعادة تنظيم بعض الإشكالات التي قد تعيق توحيد نظام العمل بين القطاعين مثل، التاريخ المستخدم في العمل. وإدخال تعديلات على العلاوات والترقيات، والأداء الوظيفي، وغيرها، لكن التطوير الأهم تم على نظام التقاعد، ودمج مؤسسة التقاعد والتأمينات.
في حين أن الإصلاحات في القطاع الخاص، أكبر وأوسع، وشملت جوانب لم تهتم بها الإصلاحات السابقة؛ من أهمها إعادة تنظيم بيئة العمل داخل المؤسسات بما فيها المتوسطة والصغيرة، واهتمت تحديدا بجعل بيئتها مناسبة للموظفات السعوديات. كذلك تقنين هيكلة الوظائف، كحصر بعض المناصب والمهام على السعوديين. كما اهتمت الإصلاحات بإعادة تهيئة الموظف السعودي، بحيث تناسب مهارته احتياجات سوق العمل، من خلال البرامج التدريبية المتنوعة. وإطلاق عدد من المبادرات لتيسير دخول العامل السعودي للقطاع الخاص، دون إثقال كاهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالأعباء المالية.
ومن أهم الإصلاحات التي تمت على سوق العمل السعودي، المحاولات التي مازالت قائمة في توحيد أنظمة (الهيكلين) العام والخاص، لتصبح القوانين العامة التي تحكم القطاعين موحدة. من ذلك استخدام التاريخ الميلادي، ونظام التقاعد، وتوحيد بعض الإجازات العامة غير الأعياد.
وقد نتج عن الإصلاحات السابقة تكون الشخصية الحالية للسوق التي يمكن تسميتها الشخصية (الهجين)، التي لا تشبه أيا من هيكلي الشخصية السابقة، وليست متحدة في شخصية واحدة كاملة المعالم. ومن ملامح هذه الشخصية؛ أولا تقارب أنظمة العمل في القطاعين، ما أدى إلى جسر الهوة بين النظامين السابقين، وتشابههما في كثير من النقاط المهمة.
ثانيا أصبح القطاع الحكومي أكثر إنتاجية، وكفاءة، وجدية في العمل بما يتشابه مع القطاع الخاص. وهذا التغيير المهم في العمل الحكومي، نزع الصورة النمطية عن القطاع العام، بأنه مكان للراحة أكثر منه مكان عمل، ما جعل العمل في القطاع الخاص أكثر جاذبية من قبل، وذلك لتقارب ضغوط العمل في القطاعين.
ثالثا الإصلاحات في القطاع الخاص، حسنت كثيرا من طبيعة الوظائف المتوسطة، وجعلتها مغرية للشباب السعودي. وقد نتج عن ذلك انخراط أعداد كبيرة منهم في العمل بالقطاع الخاص، بل بعضهم ترك العمل الحكومي ليلتحق بالقطاع الخاص. وانعكست تلك النتائج على أعداد المشتغلين السعوديين في القطاع الخاص، وعلى معدل البطالة بين السعوديين الذي انخفض في آخر نشرة للسوق إلى 8%، كأدنى معدل في تاريخ سوق العمل السعودي.
مع كل ذلك التطور، مازال سوق العمل السعودي يعاني من بعض المشكلات التي تعيق تناغم القطاعين العام والخاص فيه، بحيث يمكن القول إنه سوق عمل واحد.
أولا التباين الواضح في المزايا بين موظفي القطاع العام والقطاع الخاص، لصالح موظفي القطاع العام. كمتوسط الأجور، والإجازات الأسبوعية والسنوية، وساعات العمل الأسبوعية، وحجم المهام الوظيفية، وبيئة العمل، وغيرها. ويظل أكبر فرق هو عدم وضوح مستقبل العامل في القطاع الخاص، بما يعرف بالنهاية المغلقة، فقد يستمر الموظف براتب (مقطوع) ثابت لسنوات طويلة.
ثانيا استمرار سيطرة العمالة الوافدة على مفاصل المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ولو من وراء ستار. كأن يكون المدير المباشر في مكان ما سعوديا، لكن من يدير ذلك المكان فعليا غير سعودي، إما برغبة صاحب العمل وهو الغالب، أو بسبب التستر. واقع، ومشكلات هذا الأمر تستحق أن يفرد لها مقال خاص.
ثالثا استمرار تفضيل السعوديين للعمل في القطاع العام، لمزاياه الواضحة عن الخاص، وعملهم في القطاع الخاص يعتبره كثير منهم محطة في الطريق، ولبناء الخبرة فقط، وليس لبناء مستقبل. في المقابل استمرار تفضيل منشآت القطاع الخاص للعامل غير السعودي.
شخصية السوق الحالية (الهجين) كثيرة التقلب والتغير، لكنها تسير بالاتجاه الصحيح برأيي. ولم تستقر بعد على ما يجب أن تكون عليه حسب رؤية 2030. ومازال الطريق طويلا نوعا ما، ويتطلب قرارات استراتيجية كبيرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال