3666 144 055
[email protected]
هناك أخطار ثلاثة يواجهها مدراء التخطيط_الحضري في البلديات حول العالم، أخطار جوهرية ومصيرية، هي انتقال الملكية أولا، واستلاب حق التمثيل ثانيا، وخطر الاعتماد ثالثا.
ولتوضيح هذه المخاطر الثلاثة لنضرب مثلاً بالتأثير المضطرد لتطبيق Google Maps على هذه البلديات.
1- انتقال الملكية
يجمع التطبيق أطناناً من البيانات عن كل مدينة دون استئذان، من الصور الجوية، ومن تطبيقات الساكنين والمشاة، وسائقي المركبات والحافلات الذين يمخرون شوارع المدينة في كل اتجاه، ومن مدراء الأعمال والمطاعم وسائر الخدمات الذين يعلنون عن شركاتهم ومطاعمهم فيه، وبيانات أخرى كثيرة غير ما ذكر عن المدينة وساكنيها وأملاكهم.
حين يتأمل صانع القرار هذه الحقيقة، يدرك انتقال ملكية هذه البيانات الهائلة إلى شركة أجنبية ربحية، ولأن البيانات أصول ذات قيمة، فإن الذي يملك البيانات يملك السيطرة!
ألا يسيطر Google Maps يوميا على حركة السائقين في المدينة؟ يوجههم ويفرقهم في المسارات المختلفة؟ ويحدد أوقات خروجهم إلى وجهاتهم المعتادة؟.
2- استلاب حق التمثيل
بكل ماسبق من البيانات، فإن كلا من الطرائق التي تجمع بها شركة Google هذه البيانات الحضرية، والتي تنسق بها هذه البيانات، والتي تعيد تمثيل البيانات بها، هي ما علينا أن نقبلها معيارًا للحكم على مدينة ما أنها جيدة أو غير ذلك، وليست الطريقة التي ينظر بها مجتمع ما إلى مدينته بحسب ثقافته وتاريخه وخصوصيته.
وضمنا، تتسيد ثقافة من لا يملك ولا يسكن على ثقافة من يملك ومن يسكن، لتمسي المدينة الحضرية الممتازة ما يتوافق تخطيطها مع منظور Google Maps للمدينة الحضرية، ومع علاماته وإرشاداته، ومع آراء الوافدين والسائحين الذين قد يقيم أحدهم بكل سلبية معلماً تاريخيًا لأنه لايتسق مع ثقافته الجامحة، أو لأن أثاث المكان وموجوداته الشرقية غير مريحة لعينه الغربية، أو لأن سخونة الطقس لا توافق طقوسه الباردة، وهكذا.
وليست الثقافة فحسب، بل الاقتصاد والسياسة داخلان أيضا في هذا التمثيل المغلوط، فحينما تشاء السياسة يصبح الخليج العربي بحسب Google Maps الخليج الفارسي، وتمسي فلسطين التاريخية بقراها ومسميات بلدانها منزوعة من خرائطه، ويبيت المغرب العربي بكامل حدوده ليس وفاقاً لما يظنه العرب والمغاربة عن بلادهم التي عمروها منذ ألف عام، وهلم جرًا في أمثلة لا تنتهي. وباختصار، فإن المكان أو المدينة ليسا بحقيقتيهما وأهليهما، لكنهما كما يرويهما لك السيد Google Maps!
3- خطر الاعتماد
نتيجة لما سبق، يدرك صانع القرار ومدير التخطيط الحضري أن ثمة اعتماد كبير غير مسبوق – ليس فقط من الساكنين على Google Maps في تخطيط تنقلاتهم بدلا عن المعلومات التي توفرها لهم سلطات المدينة – لكن أيضا، حتى من موظفي البلديات المحلية في استجلاب البيانات من شركات رقمية أجنبية، سلبت أساسًا حقي الملكية والتمثيل من هذه البلديات، وأصبح لزامًا على هذه البلديات أن تعتمد على هذه الشركات لفهم مدنها وحركة ساكنيها، ومن ثم تخطيطها وتخطيط خدماتها، وعلى هذه البلديات أن تتماشى استخداماتها مع سياسات هذه الشركات، ومع أغراضها، وهكذا يختنق الابتكار والتجديد في التخطيط الحضري، فليس من السهل أن تبتكر شيئا، والأفكار والمعمل والأدوات والسياسات كلها بيد غيرك.
جعلت هذه المخاطر الثلاث دولا في الاتحاد الأوروبي تقيد ما يجمعه Google Maps كما في أسبانيا، ودولاً تحظره كليا كما في الصين.
العجيب أن Google Maps مقيد أيضا في بعض الولايات الأمريكية.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734