الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الأسبوع الماضي أعلن سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة في الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، لتطوير وتنويع الاقتصاد السعودي وتحسين بيئته الاستثمارية، وفتح آفاق جديدة للتنمية، معتمداً على المزايا التنافسية لكل منطقة لدعم القطاعات الحيوية والواعدة، ومنها الخدمات اللوجستية والصناعية والتقنية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية للمملكة.
وتُعرّف المنطقة الاقتصادية الخاصة بالحدود الجغرافية الجاذبة للاستثمار والهادفة لتصنيع وتصدير وإعادة تصدير المنتجات إلى الدول الأخرى ضمن منظومة متكاملة ومتطورةٌ من اللوائح والأنظمة، التي تشمل حوافز مغرية للشركات من أهمها المعدلات الضريبية التنافسية، وإعفاء الواردات ومدخلات الإنتاج والآلات والمواد الخام من الرسوم الجمركية، والسماح بالملكية الأجنبية بنسبة 100%، والقدرة على استقطاب أفضل الموارد البشرية العالمية، لتصبح هذه المناطق قادرةً على إنتاج السلع وتسويقها عالمياً بأسعار تنافسية.
ويتضمَّن تصنيف المنطقة الاقتصادية الخاصة أنواعاً مختلفةً من مناطق التجارة الحرة ومناطق الإيداع ومعالجة الصادرات والموانئ الحرة. ونظراً لتمتعها بالنظم التشريعية الخاصة للأنشطة الاقتصادية، فمن شأنها أن تجعل هذه المناطق من الأكثر تنافسية في العالم لاستقطاب أهم الاستثمارات النوعية، وتتيح فرصاً هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي، واستحداث الوظائف، ونقل التقنية، وتوطين الصناعات. كما ستفتح هذه المناطق مجالات واسعة لتنمية مجتمع الأعمال السعودي، لتكاملها مع الاقتصاد الأساس، وتوفير أرضية خصبة لتحقيق مستهدفات الاستراتيجيات القطاعية، مما سيتيح للشركات السعودية الاستفادة من القيمة التي تضيفها هذه المناطق على جميع مستويات سلاسل الإمداد، وفي مختلف القطاعات.
ونظراً لتمحورها حول أهداف المستثمر فإن هذه المناطق ستشكل منصات لوجستية وصناعية متكاملة لتوفير تجربة استثمارية استثنائية مجدية، وترسيخ مكانة المملكة كبوابة عبور لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وحلقة وصل بين أسواق الشرق والغرب، لتصبح السعودية وجهة عالمية للاستثمار.
ويأتي إطلاق هذه المناطق الاقتصادية الخاصة في السعودية بعد أن شهد العالم منذ منتصف القرن الماضي تسارعاً في وتيرة نمو هذه المناطق ليقارب عددها من 5400 منطقة في 147 دولة وأنماطها، وخاصة في الدول النامية باعتبارها وسيلة ناجعة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتنمية صادراتها وتعزيز السوق النقدية والمالية، ما سينجم عنه زيادة ترابط الاقتصاد المحلي والاقتصاد العالمي وزيادة مساهمتها في سلسلة القيمة العالمية.
وهكذا جاءت المناطق الاقتصادية الخاصة ركناً أساسياً من معجزة النمو الاقتصادي في الصين بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001م، حيث فتحت أبوابها للعالم ضماناً لزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ورفع معدلات نمو اقتصادها بهدف تحقيق الأمن الإقليمي كمعبر استراتيجي على طريق الحرير، ودعم تكاملها الاقتصادي مع دول العالم وتنويع مصادر دخلها. واليوم تفخر الصين بأن مناطقها الاقتصادية الخاصة أصبحت تلعب دوراً مهماً في نموها الاقتصادي، حيث بلغ عدد الشركات المدرجة في قائمة أقوى 500 شركة في العالم، التي استثمرت في منطقة “سيتشوان” الاقتصادية الخاصة الواقعة في غربي الصين، 352 شركة، من بينها 247 شركة أجنبية. وبحسب ما أعلنته وزارة التجارة الصينية، ارتفع عدد الشركات ذات الاستثمار الأجنبي في الصين بنسبة 95.4% على أساس سنوي، لتصل إلى 19002 شركة خلال هذا العام، لتشكل عوائد المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين نحو 30% من ناتجها المحلي الإجمالي، و50% من تدفق الاستثمارات الأجنبية، و48% من إجمالي حجم تجارة الصين مع العالم الخارجي.
وفي دراسة مشتركة قام بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية في عام 2015م، أجمع خبراء المال والاقتصاد والتجارة على أن الدول ذات التكاليف المرتفعة في الخدمات اللوجستية للمناطق الاقتصادية الخاصة هي التي تفقد مزاياها الحقيقية وفرصها المثالية، وأن أكبر مصدر لهذه التكاليف لا يتمثل في تكلفة النقل والشحن ورسوم الموانئ ومناولة البضائع والرسوم الجمركية، بل يكمن في تدني مستوى خدمات الأجهزة الحكومية، وتفاقم وتيرة البيروقراطية، وانعدام مبادئ الشفافية والاستشراف، التي تعتبر جميعها العوامل الأكثر أهمية للمناطق الاقتصادية الخاصة.
في هذه الدراسة جاءت ألمانيا في المركز الأول بين 160 دولة لتحقق أعلى مستوى أداء بنسبة 100%، لكونها تتعامل مع المستوردين والمصدرين من خلال منفذ واحد في هيئة واحدة، خالية من البيروقراطية ومتشبعة بالكفاءة ومرتبطة بأفضل بنية تحتية. وجاءت لوكسمبورغ في المرتبة الثانية بنسبة أداء 99.8%، لتتبعها السويد بنسبة 99.3%، ثم هولندا بنسبة 98.8% وسنغافورة بنسبة 97.4%، بينما حلت المملكة في المركز 49 بنسبة كفاءة أداء لا تزيد عن 66.8%.
لذا أكدت أهداف رؤية المملكة الطموحة 2030 على ضرورة استغلال موقعنا الجغرافي الاستراتيجي المميز الذي يطل على أهم وأفضل الممرات المائية، والتي يمر من خلالها 13% من حجم التجارة العالمية. ولكي نحقق هذه الأهداف طالبت الرؤية بضرورة ترسيخ الشراكة في الخدمات اللوجستية مع القطاع الخاص محلياً ودولياً وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة ورفع مستوى الإجراءات الفعّالة اللازمة لتطوير نظام جمركي ذي كفاءة عالية، وتعديل الأنظمة القائمة بما يمكّن مشغلي منظومة النقل وغيرهم من استثمار إمكاناتهم بصورة مثلى. ومن هذا المنطلق ركزت الرؤية على ضرورة تطوير مواقعنا اللوجستية المميزة والقريبة من مصادر الطاقة لتكون مناطق اقتصادية خاصة محفزةً لتدفق الاستثمار في الصناعة والتصدير وإعادة التصدير إلى جميع دول العالم. وهذا سيؤدي إلى تقدم ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى المركز 25 عالمياً والمركز الأول اقليمياً، لتصبح المملكة من خلالها مركزاً رئيساً للتجارة العالمية، وتساهم في زيادة صادراتنا غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من الناتج المحلي غير النفطي.
هذه الأهداف والتطلعات الطموحة أدت إلى إطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة القريبة من المنافذ السعودية والخارجة عن سلطات الجمارك والمرتبطة بكافة وسائل النقل من سكك حديدية وطرق برية ومطارات دولية، مع تقديم كافة أنواع الدعم والمساندة لهذه المناطق من خلال تعديل الأنظمة وإلغاء البيروقراطية وتطبيق أحكام الشفافية والاستشراف. وهذا سيؤدي إلى تشجيع شركات القطاع الخاص وزيادة تدفق الاستثمار الأجنبي في هذه المناطق وتوليد الوظائف، التي فاقت نسبتها في هذه المناطق 22% من القوى العاملة في الدول المتقدمة، و30% في الدول النامية. كما ستؤدي هده الأهداف إلى زيادة المحتوى المحلي وتطوير التجارة المحلية والدولية وزيادة تنافسية المملكة، لتزداد مساهمة هذه المناطق في الناتج المحلي الاجمالي بنسب تصل إلى أكثر من 15%.
وإذا أردنا فعلاً أن ننصف مكانة المملكة الفريدة على خارطة القرية الكونية وتحقيق رؤيتها الطموحة والمحددة بموقعها الاستراتيجي المميز، فلا بد لنا أن نؤهلها لتصبح أفضل مركز استراتيجي في العالم للاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال