الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد مرور أكثر من عامين من بدء التضخم الحالي، يتوقع العديد من الاقتصاديين أن تستمر موجة التباطؤ في الاقتصاد العالمي حتى ما بعد عام 2023، وذلك بعد سلسلة من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة لاحتواء التضخم والتي بلغت في كثير من الدول أعلى مستوياتها منذ ثمانينات القرن الماضي.
في الوقت نفسه، يؤكد المستشارون والمحللون على أن هذا الوضع الحالي يترك الرؤساء التنفيذيون والقادة الماليون للبحث عن تدابير صارمة وحلول فعالة لخفض التكاليف استعدادًا للركود المحتمل دون إلحاق الضرر بنمو المنشآت والوظائف. وتشمل هذه الحلول أتمتة المهام، وتقليص عقود الإيجار، وتخفيض حجم الإنفاق على البرامج والأنشطة، ومراجعة الاتفاقيات الإطارية والعقود طويلة الأجل مع الموردين، وتنفيذ إجراءات الشراء الموحد لتحقيق وفورات إضافية لعمليات الشراء القائمة والمستقبلية.
ولكن، تلك الحلول قد لن تكون كافية لمواجهة المشهد الاقتصادي الصعب. لذلك، قد تلجأ المنشآت إلى إعادة الهيكلة بشكل أكبر لتخفيض التكاليف واعتماد حلول بديلة، مثل تجميد التوظيف أو تجنب الزيادات في الأجور أو السعي لتخفيض الرواتب، أو تسريح الموظفين، والتي قد تشمل كل المستويات الوظيفية بما في ذلك المديرين التنفيذيين.
يتضح من واقع الحال أن الروايات الاقتصادية التي تحدثت عن “تضخم عابر” نتيجة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) لم تكن دقيقة، وأن الواقع الحالي يشير إلى استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادي وزيادة الضغوط النقدية. فقد أعلنت العديد من الشركات خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة عن خطط لإعادة الضبط المالي وشد الأحزمة، وتخفيض عدد الموظفين لمواجهة الركود الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة، ولتقليل التكاليف والحفاظ على الاستقرار المالي.
فيلاحظ في السوق الأمريكي تراجعاً في عدد الموظفين لعدد من الشركات، حيث قامت بعض الشركات بالإعلان عن خطط تخفيض أعداد الموظفين، ولم تقتصر هذه الخطط على قطاع محدد، بل شملت مختلف القطاعات. ففي قطاع السيارات الكهربائية، تقوم شركة “لوسيد” بتنفيذ خطة إعادة هيكلة، حيث تخطط لخفض 18٪ من القوى العاملة لديها بما يعادل 1300 موظف، مما سيؤدي إلى تقليص النفقات التشغيلية بما يصل إلى 30 مليون دولار. اما في قطاع السياحة والترفيه، فقد أعلنت شركة “ديزني” إحدى أشهر شركات وسائل الإعلام والترفيه في العالم عن خطتها لتسريح 7000 موظف، ما يمثل 3٪ من القوى العاملة لديها.
ويشهد قطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات تسريحاً كبيراً في عدد الموظفين وذلك خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث تم تسريح أكثر من 165 ألف موظف من أكثر من 550 شركة، ومن بين الشركات التي قامت بتخفيض أعداد الموظفين شركات كبرى مثل “أمازون” و”مايكروسوفت” و”ألفابت” التي تعد الشركة الأم لشركة “جوجل”. حيث تتطلع هذه الشركات إلى خفض التكاليف وإعادة التركيز على الأولويات مثل تطويرها لمنظومة تقنيات الذكاء الاصطناعي.
مؤخرا انضمت شركة “ماكينزي” الاسم الأشهر بقطاع الاستشارات إلى شركة “كيه بي إم جي” و”أكسنتشر” بعد إعلانها لخطة تسريح 1400 موظف خلال العام الحالي. وهذا الإجراء يعطي مؤشرا للوضع الراهن لهذا القطاع من حيث نسبـة النمو والتحديات التي يواجه في ظل المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم.
هذه بعض الأمثلة عن الشركات التي أعلنت خلال العام الحالي عن تخفيض عدد موظفيها، ولكن هناك الكثير من الشركات الأخرى التي أعلنت عن نفس الأمر لغرض الحفاظ على الانضباط المالي وتنظيم أولويات الانفاق في وقت تتفشى فيه حالة عدم اليقين الاقتصادي.
ومما زاد الطين بِلَّة، ما حدث مؤخرا بالقطاع المصرفي حول انهيار بنك “سيليكون فالي” وبنك “سيجنيتشر” وفشلها في إدارة السيولة والودائع، وهذا يزداد الضغط على القطاع المالي.
وفي هذا السياق، شددت بعض المؤسسات المالية لمعاييرها والسعي لتخفيض حجم إصدار القروض. ويعكس ذلك، القلق من عدم القدرة على السداد وللاحتفاظ بما يكفي من السيولة خلال الفترة القادمة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي العام ويزيد من معدلات البطالة ومسائل أخرى لا حصر لها.
وبالنظر الى الوضع الراهن قد يتم التراجع بفرض سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة لتخفيف الضغط على القطاع المصرفي، ولكن هذا يعتمد على معدلات التضخم والنمو. وإذا استمر التضخم في الارتفاع، فمن المحتمل أن يستمر زيادة أسعار الفائدة، مما يجعل الأمر أكثر تعقيداً. لذلك، يتعين على الجهات المعنية اتخاذ إجراءات وقائية للحد من الضغوط على السياسات النقدية والبحث عن فرص لتشجيع النمو الاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال