الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإبداع الابتكار في العصر الحالي يُعتبر أحد أهم مؤشرات التقدم في أي دولة، وهو الشيء الذي تضعه مؤسسات التعليم العام والعالي في جميع الدول المتقدمة في عين الاعتبار، ويتم إدراج الاهتمام به ضمن منظومة التعليم ، بما يتماشى مع رؤية الدولة وتطلعاته المستقبلية، حيث تم تنويع الأساليب التدريسية والمواد التعليمية والمناهج المتخصصة التي تعزز من مهارة الابتكار، لتكون أكثر عصرية ومطابقة لتوجهات الدول في تخريج أجيال مبتكرة ومبدعة، ويتم وضع المقررات شبة الإلزامية لطلبة التعليم العام والتعليم العالي والتدريب التقني والمهني المعنية بالإبداع والابتكار، وكيفية تكوين نشء قادر على استخدام مهارات علمية للوصول إلى فكرة إبداعية أو ابتكار فكرة فعَّالة.
وتجدر الإشارة إلى أن أبحاث بعض الأكاديميين أمثال بول تورانس تعتبر مرجعا هاما في فهم ماهية الإبداع وآلياته وتطوره عند الأفراد من جميع الأعمار. فقد صمّم تورانس اختبارا خاصا لقياس مستوى التفكير الإبداعي يتم استخدامه بشكل واسع في الولايات المتحدة، وترجم إلى أكثر من 300 لغة. وقد حث في منشوراته على أهمية إدماج التدريب على تقنيات التفكير الإبداعي في البرامج التربوية بناء على أسس علمية تهتم بدعم نقاط القوة الفرديّة لدى كلّ متعلم بدلا من محاولة تصويب نقاط ضعفه. إذ يؤمن “تورانس” أنّ لكل فرد شخصيته الفريدة التي يجب احترام قدراتها والوثوق في إمكانياتها وإعطائها فرصة النجاح ولو تعرّضت للفشل أثناء المحاولات.
من جهة أخرى؛ يرى دايفيد هوجس مؤسس معامل القرار، وبروفيسور لدى جامعة نشابل هل، أنّ الابتكار أصبح مهارة أساسية تؤثر بشكل غير مباشر في الاقتصاد العالمي، وأنّه من المؤسف أن تفتقر الأنظمة التعليمية التقليدية إلى تصور علمي قابل للتطبيق داخل الفصول الدراسية يجعل من الإبداع والابتكار معيارا هاما في سيرورة التعليم.
وتوصي منظمات ومؤسسات عالمية مثل مؤسسة الإبداع والثقافة والتعليم في أوروبا الوسطى والشرقية المدرسين بضرورة فتح المجال أمام الطلاب لاكتشاف المفاهيم والمعارف بشكل مستقلّ من خلال طرح الأسئلة المناسبة على أن يكون هذا الهدف في قلب التخطيط الدراسي، وذلك بهدف خلق بيئة من التعلّم الفعال المتمركز حول المتعلّم. فدور الأسئلة لا ينحصر فقط على جمع المعلومات والحصول على المعرفة، بل يتخطاه إلى تنمية التفكير النقدي والاستكشافي ، خصوصا عند السماح بطرح الأسئلة غير المقيدة والتي تخاطب الفكر وتحفز على الإبداع.
وتجدر الإشارة إلى أسلوب البحث عن الجواب؛ ويعرف هذا الأسلوب البيداغوجي أيضا بأسلوب بيستالوزي ، وهو، على عكس النموذج التعليمي التقليدي الذي يتيح للطلاب معرفة الجواب الصحيح عقب كل نشاط صفي من خلال التقويمات التكوينية، ينمي في الطلاب التفكير المنطقي ويشجعهم على التعلم الذاتي والبحث عن الجواب بكل الطرق الممكنة بمساعدة من المعلم الذي يوفر الوسائل الضرورية. ويؤمن مؤيدو هذا الأسلوب أنّه من الجيد فسح مجال أكبر للمتعلم لإطلاق العنان لمخيلته فربما يحدو حدو ألبرت آينشتاين الذي عرف بتطبيق هذا الأسلوب وهو صاحب المقولة الشهيرة: “المخيّلة أكثر أهميّة من المعرفة، فالمعرفة محدودة، أمّا المخيّلة فتطوّق العالم”.
ومن هنا يأتي استخدام نظام الطاولات المستديرة المعروف أيضًا بأسلوب هاركنس يهدف إلى تحويل قاعة الدرس إلى مكان للتفاعل والنقاش والحوار بدلا من النهج التعليمي العقيم الذي يعتمد أسلوب الإلقاء والتلقين. يوصي هاركنس في هذا الشأن باستخدام طاولات دائرية على غرار تلك الموجودة في قاعات الاجتماعات والمؤتمرات. ويمكن للأساتذة في المدارس ذات الموارد المحدودة كما في أغلب الفصول في الدول العربية، إعادة تنظيم الطاولات المتوفرة بناء على هذه الطريقة للسماح للتلاميذ بالعمل ضمن جماعات وبالنتيجة تحقيق الغرض ذاته.
في هذا الصدد نجد أن أغلب إن لم يكن كل مؤسسات التعليم العالي في المملكة اتجهت إلى وضع وكالة للجامعة معنية بالإبداع والابتكار والتطوير أو عمادة معنية بالمهارات والإبداع والتطوير، هذه الوكالات أو العمادات قامت بالتركيز على إقامة الدورات التدريبية المعنية بالإبداع والابتكار، وقامت أيضا بتشجيع أعضاء هيئة التدريس فيها وكذلك الإداريين والطلبة على الإبداع والابتكار. وفتحت لهم المجال طيلة العام الدراسي لتقديم مقترحاتهم وابتكاراتهم. بل إن أغلب الجامعات يوجد فيها مقرر معني بالإبداع والابتكار.
وفي الختام؛ يوصي هذا المقال في ضوء الخبرات العالمية، وتجارب الجامعات المحلية، بضرورة وضع وكالة خاصة في كل مدرسة من مدارس التعليم العام بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية؛ تكون هذه الوكالة معنية بالإبداع والابتكار لدى جميع منسوبي المدرسة من طلاب ومعلمين وإدارة وإداريين، فظهور فكرة إبداعية أو ابتكارية من لدن منسوبي التعليم العام قد يكون مردوده في كافة الجوانب مردود إيجابي لسنوات قادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال