الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أسبوع، نشرت صحيفة مال تقريرا حول مكافآت التنفيذيين في الشركات السعودية. وأشار التقرير الى حصول كبار تنفيذي 49 شركة خاسرة خلال العام 2022 (وأعلنت عن تقارير مجلس إدارتها) على 294.3 مليون ريال، وذلك على الرغم من تسجيل تلك الشركات خسائر تقدر بنحو 6 مليار ريال بنهاية العام الماضي. في الواقع، مشكلة المكافآت الممنوحة للتنفيذيين هي ليست مشكلة محلية فقط، ولكنها مشكلة عالمية، وهي محط دراسة وبحث مستفيض في مراكز الأبحاث والجامعات الامريكية والاوربية.
لائحة حوكمة شركات المساهمة السعودية، نصت في مادتها الثانية والستون على: ” دون إخلال بأحكام نظام الشركات ونظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، يجب أن يراعى في سياسة المكافآت ما يلي:
1) انسجامها مع استراتيجية الشركة وأهدافها.
2) أن تقدَّم المكافآت بغرض حث أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على إنجاح الشركة
وتنميتها على المدى الطويل كأن تربط الجزء المتغير من المكافآت بالأداء على المدى الطويل.
3) أن تحدَّد المكافآت بناءً على مستوى الوظيفة والمهام والمسؤوليات المنوطة بشاغلها والمؤهلات العلمية والخبرات العملية والمهارات ومستوى الأداء.
4) انسجامها مع حجم وطبيعة ودرجة المخاطر لدى الشركة…”
بالطبع، كل شركة لديها معاييرها الخاصة في عملية تقييم المكافآت المستحقة للتنفيذيين. فقد تكون الشركة لا تحقق ارباحا جيدة، ومع ذلك يتم منح مكافآت عالية للتنفيذيين إذا رأى مجلس ادارتها ان اداء التنفيذيين ساهم بشكل كبير في نجاح الشركة أو خلق فرص استثمارية قد تدر ارباح مستقبلية او حافظوا على الأقل على استمراريتها في السوق.
ولكن الإشكالية في تقييم مكافآت التنفيذيين هنا تقع في جوانب كثيره جدا، لا يتسع المقال لسردها بالتفصيل، ولكن سيتم الاضاءه على بعض هذه الاشكاليات.
كما نعلم، المكافآت هنا ليس هي راتب لتنفيذي، الراتب حق مستحق وليس لأحد أن يناقش فيه حيث انه قيمة جهد الشخص الذي يبذله لأداء عمله اليومي. في حين ان المكافآت ليست حق مكتسب، وإنما هي حقوق اضافية غير دائمة تمنح لمن يقوم بعمل حقق اضافة ايجابية للشركة او المنشأة. هذه الاضافة اما ان تكون بمشاريع استثمارية ناجحة، ارباح عاليه، توسع نتيجة ازدياد حجم الأعمال ..الخ، تحسين مستوى الرقابة والإفصاح في الشركة، تحسين هيكلتها ..الخ من الانجازات التي تحسب في مكافآت التنفيذيين على حسب سياسة الشركة وأهدافها. ويكون شكل المكافآت متنوع، مثلا قد يكون مبالغ نقدية او عينية كالسيارات، او اسهم في الشركة.
الاشكالية الرئيسية في مسألة المكافآت في جميع الشركات، هي رغبة التنفيذيين في الحصول عليها وفقا للحد الاعلى الذي يمكنهم الحصول عليه. وهذه الاشكالية يتولد عنها اشكاليات كثيرة جدا. لعلي أذكرها احدها في هذا الجزء، والآخر في الجزء الثاني من هذا المقال. الإشكالية الأولى، هي عملية صنع القرار.
عملية صنع القرار يفترض أنها تصب دائما وابدا في مصلحة الشركة وتحقق أهدافها. ومن هنا ظهرت فلسفة الحوكمة، خصوصا بعد انهيار شركات كبرى في العالم نتيجة عدم وجود نظام واضح لعملية اتخاذ القرار المناسب للشركة. وعلى الرغم من تطور مفاهيم الحوكمة واستراتيجيات تطبيقها، إلا أن من يملك القرار النهائي هم التنفيذيين. وكما نعلم، أن إدارة المخاطر هي جزء من عملية حوكمة المنظمات بكافة اشكالها سواء كانت شركة او مؤسسة قطاع عام. القرارات التي يتم دراستها قبل اتخاذها، تخضع لتقييم المخاطر. دور التنفيذيين هنا هو ان التنفيذيين يحاولون قدر الإمكان اظهار أن لديهم إنجازات حققت ارباح عاليه للشركة او حسنت من سمعتها ..الخ، وهذا هو الهدف من وجود المكافآت الا وهو التحفيز للعمل الجيد. لكن ماذا اذا كان القرار المتخذ الذي سيدر ارباحا ضخمة او سيحسن سمعه خلال فترة وجيزة بغض النظر عن أبعاد هذا القرار على المدى الطويل؟ بمعنى اخر، اغراء الحصول على المكافآت يجعل التنفيذيين يتخذون قرارات تُعظم الأرباح حتى لو كانت المخاطر من اتخاذ هذا القرار عالية جدا. ولنا في هذا أحدث مثال، وهو ماحصل مع بنك كريدي سويس وبنك السيلكون فالي. انهيار بنك كريدي سويس كان لعدة أسباب جوهرية، من أهمها تعظيم الأرباح على المدى القصير دون الالتفات للمخاطر على المدى الطويل، وهذا كله بهدف الحصول على المكافآت. فبدأ أمر الانهيار مع الرئيس التنفيذي الامريكي برادي دوغان من عام 2007-2015. أتيحت الفرصة لدوغان لجلب رأس المال بعد عام 2008 من خلال إنشاء أوراق مالية يتم منحها لمجموعة معينة من العملاء بمقابل مالي ضخم جدا,والتركيز على الذراع الاستثماري بشكل كبير وإهمال الذراع المصرفي. كذلك، كان هناك تلاعب من أجل التهرب من دفع الضرائب، وتخفيض مستوى الرقابة على الأموال مما نتج عنها فضائح عن مساهمة البنك في غسل الأموال. لكن كل هذه المشكلات لم تظهر على الفور، بل على العكس القرارات التي اتخذها دوغان ساهمت برفع قيمة السهم في البداية، مما جعل بنك كريدي آنذاك بنك منافس على الصعيد العالمي، نتيجة للأرباح المسجلة. لم تكن للأسف هذه القرارات صحية حيث اننا جميعا نرى النتيجة لذلك، ألا وهي انهيار هذا البنك واختفائه. والأمثلة في يومنا هذا كثيرة جدا.
يرجع كل هذا بسبب الرغبة في رفع مكافآت التنفيذيين. و لأكون منصفة، اتفهم محاولة تحقيق ارباح ولو كانت على المدى القصير من اجل الحصول على مكافآت عالية. واعتقد الاشكالية هنا تعتمد على تقييم المخاطر. ولكن اذا كانت المكافآت العالية تمنح في الشركات الخاسرة والمستمرة في تحقيق الخسائر، فهنا يعني أن مسألة منح المكافآت ليست فقط متعلقة باتخاذ قرارات عالية المخاطر، وإنما يعني خلل واضح في حوكمة هذه الشركات ككل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال