الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المقال السابق، تمت الإشارة إلى أرقام المكافآت المليونية التي تمنح للتنفيذين الذين يعملون في ادارة شركات خاسرة ومستمرة بالخسارة. مكافآت التنفيذين بالطبع هي ليست حق مكتسب وإنما هي مكافأة عن انجاز التنفيذيين من أجل مساعدة الشركة في تحقيق الأرباح و رفع جودة أعمالها. ولكن الذي يحدث لدينا، هو شركات خاسرة، وجودة أعمال منخفضة، ومكافآت مرتفعة.
ذكرت في المقال السابق (أضغط هنا)، عن احد اسباب حصول مثل هذه المشكلات وهي اتخاذ قرارات عالية المخاطرة لتحقيق ربح سريع من أجل الحصول على مكافآت عالية، دون النظر إلى مصلحة الشركة الحقيقية على المدى الطويل. وهذه مشكلة تحصل في شركات كثيرة، آخرها بنك كريدي.
المشكلة الاخرى، والتي سأعرج عليها في هذا المقال هي ليست عالمية، وإنما محلية جزء منها، بمعنى ان مشكلة المكافآت الفلكية للشركات الخاسرة ستزداد مع الوقت، حيث ان هذا الامر لن يكون رهن شركات المساهمة، وإنما يصل الى الشركات الاخرى ولذلك لان نظام الشركات الجديد قد يساهم في هذا الأمر بشكل غير مباشر. ولعلنا نفرق بين شركات المساهمة وبين الانواع الاخرى من الشركات فيما يتعلق بموضوع مكافآت التنفيذيين.
كما نعلم، ان من اساسيات لوائح حوكمة الشركات سواء كانت شركات مساهمة او غير مساهمة وجود لجنة تسمى بلجنة المكافآت. تكون هذه اللجنة منبثقة من مجلس الادارة، ومستقلة، اعضائها ليسوا تنفيذيين، تعمل على رسم خطة منح المكافآت لأعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين والموظفين بشكل عام. إذا كنا سنتكلم عن شركات المساهمة، فربما يكون الوضع أقل خطورة من الشركات غير المساهمة.
وفقا للائحة حوكمة شركات المساهمة، فقد تم منع فكرة ازدواجية وظيفة رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي وفقا للمادة
المادة ٢٤/ب والتي نصت على أنه لا يجوز الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة وأي منصب تنفيذي آخر في الشركة، حتى ولو نص نظام الشركة على ذلك. كما نصت المادة ٢٨ على عدم جواز تعيين الرئيس التنفيذي رئيسا لمجلس إدارة الشركة خلال السنة الأولى من انتهاء خدمته كرئيس تنفيذي للشركة.
وبالتالي تظهر لنا اشكالية واحدة تكمن في صعوبة ضمان استقلالية لجنة المكافآت في رسم السياسة الخاصة بتوزيع المكافآت ،وفقا لاستراتيجية الشركة. ومن هنا تظهر لدينا مشكلة الوكالة، حيث أن أعضاء لجنة المكافآت غالبا تتكون في جزء منها من اعضاء مجلس الادارة، وعضو مستقل. وبالتالي ، الاعضاء هنا ليسوا تنفيذيين، ولكن لازالت هناك مصالح مشتركة و علاقة تربطهم التنفيذيين تجعل عملية صياغة لائحة المكافآت تصب في تحقيق مصالح الطرفين بغض النظر عن مصالح المساهمين. وبشكل عام، نظرية الوكالة هي التي يتم على أساسها صياغة لوائح لجنة المكافآت. لذلك، هناك ممارسة موجودة في امريكا، ولكنها ليست مطبقة بشكل كبير، وهي تعيين مستشاران لتقييم المكافآت، وتكون تحت إشراف سوق الأسهم، وبعد تقديم الاستشارة يتم الاجتماع معهم لتوضيح سبب تقديم الاستشارة من دون حضور التنفيذيين. بالطبع، كثير من الشركات لاتفضل هذه الممارسة لان مشكلة الوكالة تطفو على السطح، حيث أن استقلالية لجنة المكافآت تعتبر خرافة، وغالبا ما يدعم مجلس الادارة الادارة التنفيذية خصوصا ان تعيين الادارة التنفيذية يكون بمباركة مجلس الادارة.
وبالتالي بقاء الإدارة التنفيذية، يعني أن هناك مصالح مشتركة، فاذا كانت الشركة خاسرة، ولازالت لمكافآت مرتفعة، فهذا يعني ان قرار لجنة المكافآت سيبارك مجلس الادارة لارضاء الادارة التنفيذية، بغض النظر عن السبب في الرغبة بالحصول على الرضا. وهذا يعني أن المسؤول عن الرقابة هنا هي هيئة سوق المال، التي يجب أن تبدأ بدراسة هذه القضية من أساسها، و وضع نظام قانوني و وسائل فعالة لإنفاذ القانون من أجل المحافظة على استقرار سوق الأسهم، شركات المساهمة، ثقة المستثمرين المحليين والاجانب بسوق الاسهم، والا فكرة ازدهار سوق الاسهم ليحاكي الاسواق العالمية سيكون امر صعب المنال.
الحالة الثانية هي للانواع الاخرى من الشركات غير المساهمة. كما نعلم ان نظام الشركات السعودي الجديد، اعطى الفرصة للشركات لتطبيق نظام ازدواجية منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي. اعلم بكل وضوح، أن عند صياغة هذا النظام، تم دراسة أفضل الممارسات الدولية، وتم العمل بجهد كبير لإصدار هذا النظام المتماشي مع المتطلبات الدولية. ولكن وجهة نظري، ان ليس كل ممارسة دولية ناجحة في مكان ما مناسبة لتطبيقها في مكان آخر.
كما أن هذه الممارسة، يوجد عليها انتقادات كثيرة خصوصا في حال تطبيقها على الشركات الكبرى ذات الرأسمال الضخم. فهنا يعني، عندما نتكلم عن لجنة التعويضات المنبثقة من مجلس الادارة، يفترض أنها مستقلة، حتى ولو كان تطبيق هذا الامر صعب، ولكن على الاقل يوجد لوائح تساعد على عملية ضمان عدم تمادي هذه اللجنة في منح المكافآت بشكل يتنافى مع استراتيجية الشركة ومصالحها.
في حال كان رئيس مجلس الإدارة هو نفسه الرئيس التنفيذي، ومجلس الإدارة هو الذي يوافق على سياسة المكافآت، فهذا يعني بالتأكيد، عند منح مكافأة عالية للتنفيذين، بغض النظر عن نجاحهم في الادارة التنفيذية، سيتم الموافقة عليها اذ ان الاستقلالية هنا معدومة تماما، وبالتالي احد اركان الحوكمة هنا مفقود وليس له وجود.
وبالتالي، في حال حصول مثل هذه الممارسة، ألا وهي صرف مكافآت عالية للتنفيذيين حتى ولو كانوا قد تسببوا بخساره فادحة للشركة، من هو الرقيب على ذلك؟ كان تكون هذه المكافآت بسبب تلاعب حصل داخل الشركة بشكل او بآخر. ربما البعض قد يقول، الشركة مسؤولة عن اخطائها ما دام انه لايوجد مساهمين.
ولكن هذه الممارسات تعني تكوين ثقافة مجتمعية للممارسات الفاسدة احيانا او عدم المبالاة في الإدارة وتحقيق مصالح الشركة. كما ان هذا الامر يضر استقرار الاقتصاد وازدهاره على المدى البعيد، فلا اعتقد ان هناك اقتصاد لا يكترث لانهيار شركة من شركاته، بل على العكس، غالبا انهيار الشركات يكون هو محل دراسة من قبل الجهات الحكومية المعني أجل تقليل تكرارها. وبالتالي، هل يوجد في وزارة التجارة نظام يراقب نظام المكافآت في شركات غير المساهمة؟
في الختام، الفكرة العامة من الحوكمة هي تحقيق مصالح المنشأة، وتقليل ممارسات الفساد والتلاعب. والفكرة الأساسية من منح التنفيذيين مكافآت سنوية هي تشجيع التنفيذيين على تحقيق مصالح الشركة والمساهمين، وتحقيق الأرباح والعمل الجاد للإنجاز الذي يجعل الشركات تكبر وتتوسع وتزدهر. فإذا حدث العكس، تصبح المكافأة هي مكافأة على تحقيق الخسائر ولا اعتقد ان هناك شخص يحفز شخص اخر على ان يخسر. لذلك هذه المسألة يجب النظر إليها بشكل جاد وعملي يتناسب مع بيئة الأعمال لدينا والثقافة العامة والنظام القانوني والاستفادة من التجارب الدولية بعد دراستها ودراسة ملائمتها مع بيئة الأعمال لدينا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال