الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نستهل بمفهوم التنمية البشرية وهو العناية بالإنسان من كونه جنين في رحم أمه إلى لحظة طوى صفحته بتكريمه وتنزيله في قبره.
عادة يكون الخيال لدى أهل الابداع واسع الآفاق، وفي شأن الخيال رأيت مقطع فديو للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله يقول فيه: تخيل أن مثلثا بدون زوايا وتخيل دائرة بدون محور…الخ وفي هذا تسوقنا بعض طرائف خبراء مؤشرات التنمية البشرية في كيفية ربط المؤشرات بالأهداف الاستراتيجية، باعتبار بعض الدول الصناعية مرجعية لمنهج مؤشرات التنمية البشرية التي تمتاز بدرجة (مرتفعة جدا) لأخرى ناشئة اقتصاديا بدرجة (متوسطة أو منخفضة) ليطير الخيال بسؤاله الموجه لأحدهم لماذا مؤشر التنمية البشرية في اليابان مرتفع وهي تقع عند مشرق الشمس وجغرافيتها معرّضة دوما للزلازل بينما هذه الدولة تمتاز بالموقع الجغرافي الاستراتيجي تتحكم في ممرات ومضايق مائية وطبيعتها جميلة بمناخها المتوسط وتربتها غنيه ومياهها العذبة وافرة وووو…. وحجم سكانها قريب من حجم سكان اليابان؟ فلم يتأمل هذا الخبير في الرد اذ جاء رده سريعا بطرفته (اليابانيون بني آدم صح) وانتهت جلسة التدريب بهذا المؤشر الذكي والرائع.
ليغادر بنا الخيال محطة اليابان متجه الى محطة الصين وما ادراك ما الصين بلد المليار والنصف مليار نسمة، معدل البطالة فيها تبلغ 5%، وما زلنا على طريقة الطنطاوي في تخيل مثلث بلا زوايا أو دائرة بلا محور، لو أستبدلنا نصف المليار الصيني بمجموع سكان الوطن العربي سموا العملية ما شئتم سموها برنامج ابتعاث سكان ليعيشوا بأطفالهم ونسائهم وما يحبونه من دنياهم مع الصينيين ربما ينتقل الجيل الأول بخير ما عنده إلى الصين وخير ما عند الصين إليهم، وربما يتيه على درب سَنَن الأمم التي تاهت فرضية محتملة بالوجهين، أما نصف المليار الصيني الذين سيتم في الخيال إحلالهم محل سكان الوطن العربي بشرط أن يكونوا دماغ الذكاء الصناعي والأفضل من الناس، فيوزعهم الخيال على الوطن العربي يكون نسبة كل دولة منهم حسب حجم سكانها، تتخيل الفرضية في الوطن العربي بعد أربعين سنة سيتم القياس هل سيكون صحراء التيه للفريقين إلى أن تنقرض في الجيل كل ما هو جبن وغدر وخيانة ونقض العهد والمواثيق وإدمان لفساد الحرث والنسل، بجيل جديد (بني آدم صح) بصفحاته البيضاء نقية لكتابة التأريخ من جديد يعشق المهنة والإنتاجية والنماء والعطاء والبناء.
التأريخ هو الظرف الذي تسجل فيه سلسلة الأحداث وترابطها وعلاقة بعضها ببعض ومن خلالها يتم قراءتها والتنبؤ للمستقبل وصياغة الفرضيات المنطقية ومن ثم وضع الاستراتيجيات التي في ضوئها يتم بناء السياسات الرامية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية بناء على معطيات وحقائق تاريخية مأخوذة من احداث الإنسان في التأريخ، فبالتتبع لأحداث التأريخ يُلمس تأثير البعد السياسي على بقية الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية.
بل لا يمكن أن تكون الأبعاد الأخرى ناجحة في ظل فشل سياسي أو حتى هشاشته فهو عمدة الأبعاد في النمو وبها يُشد حزام أملها ومستقبلها سواء في البيئة الداخلية أو البيئة الخارجية، كما أن علاقة البعد السياسي بالبعد الأمني علاقة طردية كلما استتب الأمن في الدولة كلما توطدت في هوية وطنية موحدة متمازجة ومتماسكة تخلق من ورائها جو الاستقرار الاجتماعي وتختفي بسببه النزاعات والصراعات التي تحركها الأهواء والمصالح الشخصية، كما يختفي كل ما هو مهدد للتنمية البشرية كالنزاعات الطائفية والانتماءات القومية الضيقة، وينتهي كل ما يجعل البشرية متوحشة يضعها على صفيح من نار ويهيجها ويدفعها الى حروب أهلية حالقة لتنميتها البشرية، والتي تتسبب في نشؤ الأوبئة والجريمة وكل ما يفسد الحرث والنسل، ومصفرة الحسابات البينية، يكون فيها الانسان نيشان استهداف قناصتها من أعالي المباني المشرفة على حركة اقتصادهم وسوقهم، ليضرب الجهل بدياجيره على العقول فيزهد الانسان في أخيه الانسان.
لهذا تبرز أهمية البعد السياسي وثقله في استقرار الحكم واستتباب الأمن الذي من خلاله وفي ظله تتفرغ الدولة في بناء المؤسسات وتتجه البوصلة إلى وضع الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية في أمد استراتيجي، والعمل على تحقيق أهدافها الرامية إلى رفاه مواطنيها ورخاء الوطن الاقتصادي والاجتماعي في تنمية مستدامة نوعية تحميها دولة ذات مؤسسات قوية هيكلياً وقادرة على ضمان أمنها الوطني بتوظيف كافة القدرات في منظومة تنافسية خصبة للتنمية البشرية محاطة بسياج من الأمن والحماية، إذ لا حظ لوطن بات أهله غير آمنين على معاشهم لا يجدون سربا يجمع شتات أُسرهم التي مزقتها الفوضى، فأن له النمو والازدهار أو حتى التطلع له كمجرد حلم وهو في حالة نزوح جماعي.
والاقتصاد هو عصب الحياة وهو شريان نهضة الدولة وذراعها ومصدر قوتها وازدهارها ونموها، والبعد الاقتصادي هو السائل المثبت لأضلع هرم الدولة النظامي الذي جعلها وطناً له اعتباره اصلاً، فإن كان اقتصاد الدولة على هيكل متين كانت قاعدتها الهيكلية صلبة والعكس صحيح كلما ضعف اقتصادها كلما اصبح هيكلها الحكومي مترهلاً في غير مؤسسات فاعلة تهريه دائما الصدمات عاجزا عن تحقيق أهدافه.
فالإدارة السيئة أو الضعيفة في المؤسسات تحجب الفرص بل تمنع عن الدولة ما هي احوج إليه كالتنمية البشرية وتؤخر الاستثمار فيها إلى دهر قد تتجاوزه الأجيال ولا يلتفت إليه، فحينما تدرك الدولة تسارع إلى توجيه التخطيط في إنفاقها واستثمار مواردها بكفاءة عالية ومستديمة لتنميتها البشرية لتظهر الكنوز بترو انسان بدل بترو دولار ففي الأول الغطاء أما الثاني فمكشوف بلا غطاء، والاستثمار فيها باعتبارها مشاريع رأس مالية مستديمة تتنوع معها مصادر الإيرادات إذ العقول محل الابتكار والابداع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال