الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قراءة في نظام تداول بدائل حليب الأم
هذا المقال يركز على المسكوت عنه في نظام حليب بدائل الأم، وهو الرضاعة من مرضعة بديلاً عن حليب الأم، وقد تكلم عنه الفقه الإسلامي. يحاول المقال تحليل سبب عدم إيراد موضوع استئجار امرأة للرضاعة ضمن بدائل حليب الأم، وأثر ذلك – لو كان موجوداً – في إيجاد وظائف للنساء، وخفض نسبة أمراض الأطفال، وتعجيل زواج المطلقة. بمعنى ثمة أثر صحي، واقتصادي.
بدايةً، صدر نظام تداول حليب الأم عام 1425ه، وقصد بالبدائل – في مادته الأولى – بأنه أي بديل لحليب الأم يُركّب صناعياً وفقاً لمعايير دولية، ومواصفات سعودية، ويشمل ذلك الأغذية التكميلية، وهو أي مكمّل عذائي لحليب الأم سواء كان مصنعاً أو محضراً منزلياً.
وبالتساؤل عن هدف النظام الأسمى بشكل عام؛ نجد أنه يهدف إلى تشجيع وحماية الرضاعة الطبيعية، وضمان بدائل حليب الأم حين تدعو الحاجة إليها.
والسؤال المنطقي هنا: إذا كانت غاية النظام حماية الرضاعة الطبيعية، فلمَ لمْ يعززها هي ذاتها، بعيداً عن مثيلها أو بديلها؟! بمعنى لماذا لم يتطرق النظام لمسألة حليب المرضعة على أنه أحد بدائل حليب الأم؟ خاصة وأن رضاع الطفل من أمٍ مستأجرة يصدق عليه أنه رضاعة طبيعية. تصفّح أي كتاب فقهي – في أي من المذاهب الأربعة – لن تخطئ عينك فصلاً بعنوان “استئجار الظئر” في باب “الإجارة أو الإجارات”، فعلى سبيل المثال: في كتاب “البناية شرح الهداية”: ويجوز استئجار الظئر بأجرة معلومة لقوله: “فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن”. وفي البحر الرائق: والظئر المرأة ذات اللبن سواء كانت مسلمة أو كافرة. واستشهد السرخسي بقوله: “وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى”، مضيفاً أن الصغار لا يتربون إلا بلبن آدمية، والأم قد تعجز عن الإرضاع لمرض، أو موت، أو تأبى ذلك. ثم قال: والإرضاع في منزل الأب أجود للصبي من الإرضاع في منزل الظئر؛ لأنها تخشى من الأب في منزله، فتُحسن إلى الصبي بما لا تفعله في منزلها. وعند ابن قدامة: الحاجة تدعو إليه فالطفل – عادة – إنما يعيش بالرضاع، وقد يتعذر من أمه، وبعض القبائل اعتادوا على استئجار من يُرضع أولادهم.
تلك نصوص فقهية تفيد أهمية استئجار مرضعة للرضيع، وأن الناس بحاجة إليه؛ لما يطرأ من تعذّر إرضاعه من أمه لأي سبب. والتساؤل المطروح: لماذا ابتعد الناس عن المرضعة، هل ذلك عائد إلى ثورة الحليب الصناعي؟ قد نجد إجابة تلقائية ومباشرة من أي إنسان؛ تؤكد أن الحليب الصناعي بديل وخيار رائع، وأن لا حاجة – في الوقت المعاصر – إلى مرضعة. هذا ما قد تسمعه من أم تزور ابنتها -بعد الولادة- وترى صبيها يرضع حليباً صناعياً من زجاجة، فتحمد ربها أن يسّر هذه الرضاعة الاصطناعية؛ وإلا طفقت تبحث عن مرضعة.
نعود إلى التساؤل حول تركيز النظام على البديل الصناعي والمكمل الغذائي لحليب الأم، مع تجاهل تصنيف حليب المرضعة كأحد البدائل الممكنة! الذي يَفْضُل حليب الأم في أحوال.
الحقيقة أنه لا يمكن الجزم بأن هذا الموضوع كان غائباً عن اللجنة القائمة على الصياغة الأولية للنظام. والمحتمل أن التركيز كان منصبّاً على معالجة وضبط ثورة الحليب الصناعي والمكمّلات الغذائية؛ فالمتعارف عليه أن الناس يجنحون إلى الجديد وإن كان صناعياً حتى ولو كان متعلقاً بالغذاء والدواء، على حساب القديم والعتيق. و موضوع استئجار مرضعة، قد يعتبره البعض ضرباً من ضروب عدم المعاصرة والتماهي مع الحديث. والانتقال من العتيق إلى الحديث طبعٌ أصيل في النفس الإنسانية؛ إذ قد تنفر من العادة المتوارثة و العادة المستقرة وهي ترى الناس من حولها يتباهون بالجديد. هذا إذا كان القديم متاحاً، وسهل المنال، فكيف إذا كان صعباً أو يندر وجوده!
ونظراً لخطورة هذا الغذاء أو هذه الثورة في الحليب الصناعي؛ لأنه يتعلق بنمو الطفل – خاصة في عامه الأول -؛ نلحظ علامات القلق قد بدت ظاهرةً على أحكام النظام تجاه بدائل حليب الأم، ولا يكاد يخفي قلقه هذا في معظم أحكامه- وحُق له ذلك-. فهو يمنع تسويق وترويج أي بديل لحليب الأم أو مكمّل غذائي – بأي شكل وبأي طريق -، بل ويطلب من الشركة المنتجة وضع “ملاحظة مهمة” على علبة الحليب، ودونها نصاً يفيد أن الرضاعة الطبيعية هي الأفضل. بل في المادة الرابعة – الفقرة الثالثة – من اللائحة يشير إلى مخاطر استخدام بدائل حليب الأم، وأن على المادة الإعلامية أن تُضمّن تلك المخاطر في أي نشرة عن البدائل. وذهب إلى أبعد من ذلك، إلى سد أي ثغرة قد تستغلها الشركة في الترويج لمنتجها البديل، فمنع في مادته التاسعة موظفي الشركات المنتجة من العمل في مراكز الحضانة والطفولة والأمومة. وحظر على الشركات إهداء أي مؤسسة صحية أي بديل أو مكمّل أو تخفيض سعره عن المعتاد، وحذّر المستشفيات والعيادات من استقبال أي هدية أو تخفيض أو نحوه لأي بديل أو مكمّل. بل وصل الأمر إلى حظر إقامة أي نشاط علمي أو ترفيهي للحديث عن منتجات بدائل حليب الأم، وحظر عليهم التواصل مع الأمهات في هذا الشأن.
وإمعاناً في حرص النظام ولائحته على أهمية الرضاعة الطبيعية المباشرة من الثدي، أكّد في المادة 12/3 على “أهمية ملامسة الجلد للجلد بين الأم والطفل بعد الولادة مباشرة”. واكتمل هذا التعبير بما جاء في عقبه: “وضرورة المساكنة أي وجود الأم والطفل في مكان واحد طوال اليوم”. تلك نصوص النظام وإن فاضت رحمة وحرصاً وعناية على الأم ورضيعها، إلا أن قلقها من الحليب الصناعي يكاد يقتلها، وهو قلق في محله.
نعود لمسألة استئجار الظئر، وأثرها الاقتصادي والصحي. لا شك أن رضاع الصبي من أم غير أمه مفيد له أكثر من البدائل الأخرى، وقد أبانت نصوص الفقهاء شيئاً من ذلك. ونعلم أن بعض الأمهات قد لا تشكو من مرض أو علة، بيدَ أن إرضاع ولدها من امرأة أخرى تحمل صفات جيدة صحياً أو جينياً أو طباعاً حسنة؛ لهو سلوك حسن، لا يحجره عقل، ولا يمنعه منطق؛ لأن أثره يصل إلى الولد إيجاباً. وبالتأكيد أن ذلك سيُرتب أمومة وأخوة من الرضاع..، ولا ضير في ذلك، خاصة وأنه لا يمتد إلى الإرث. أمّا الأثر الاقتصادي فهو الأُجرة التي تكسبها المرضعة، وما يوفره ذلك من وظائف. ماذا لو طُوّرت مراكز الحضانة والطفولة؛ فأضيف إليها خدمة الرضاعة؟
ختاماً، لعل هذا المقال يتقاطع مع هموم هذا النظام، الذي لم يدّخر وسعاً في تأكيد أهمية الرضاعة الطبيعية، وهو دعوة إلى التفكير في موضوع استئجار الظئر، بجعل حليب المرضعة إحدى بدائل حليب الأم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال