الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نَشَأَت فكرة إيقاف الخدمات الإلكترونية الحكومية من وحي العقوبات التهديدية التي لا تَكونُ الغاية منها إحداثُ أَثَرٍ جزائيٍّ في نَفسِ الشخص المُعَاقَبِ، بل دَفعُهُ للإسراع إلى تنفيذ التزامَاتِهِ والوفاء بالحقوق التي في ذمَّتِهِ.
وقد كان تَطبِيقُهَا على صعيد الناس العاديِّينَ ذو أثرٍ كبيرٍ بالإسراع في تنفيذ الحقوق، فالمدينُ المُمَاطِلُ لا يَستَطِيعُ الاستغناء عن خدمات الحكومة على منصَّاتِهَا الإلكترونية، حتى أصبحت هذه الخدمات عَصَبَ الحياة المدنية من أحوالٍ شخصيةٍ، ومعاملاتٍ ماليةٍ، وغيرها.
لكن الأسلوب الناجِحَ على الصعيد المدني، لا يكون -في كثير من الأحيان- ناجِحَاً على الصعيد التجاري؛ والسبب هو أنَّ قطاع الأعمال التجارية لا يَحتَمِلُ التأخير والبطءَ في المعاملات بسبب حركة التجارة المُستَمِرَّةِ وتَغَيُّرِ الأسعارِ وتَقَلُّبَاتِ ظروف السوق.
أكثر من ذلك، فإنَّ تأخير مشاريع الأعمال في إنجاز مُعَامَلَاتِهَا، قد يؤدِّي إلى تسريعِ إفلاس الشركات، واستحالَةِ قيامِهَا بسداد التزامَاتِهَا.
ويبدو أنَّ السبب الجوهري في الاختلاف بين الأثر الإيجابي الفردي لإيقافِ الخدمات، وبين الأثر السلبي على قطاع الأعمال هو أنَّ الديون تُعتَبَرُ جزءاً من العمل التجاري؛ وذلك لأنَّ الائتمان يُمثِّلُ عُنصُراً أساسياً من حركة التجارة.
فيَصعُبُ على التاجر أن يَفِيَ بأسعار البضائع والخدمات نقداً، وإلاَّ ستَقتَصِرُ دورة رأس المال لدَيهِ على ما يَمتَلِكُهُ من سيولةٍ فقط، بينما إذا حَصَلَ على تمويلٍ لزيادة قيمة هذه الدورة، فإنَّ أربَاحَهُ ستَتَضَاعَفُ.
وحتى على صعيد تَعَثُّرِ المشروع التجاري، فيمكن للتاجر أن يتأخَّر عن سداد الديون ثم يَعقِدُ صُلحَاً وَاقِياً من الإفلاس أو يُعِيدُ هيكلةَ دُيونِهِ قبل دُخُولِهِ في خطر الإفلاس.
بناءً عليه، فإن إيقاف الخدمات الحكومية الصادر بحقِّ قطاع الأعمال التجارية قد تَعَامَل بذات الفكر الذي نظم من خلاله إيقاف الخدمات المدنية.
حتى أنَّ مراحل إيقاف خدمات قطاع الأعمال /وفق الضوابط الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 563/1444/ قد سَمَحَت في المرحلة الثانية من الإيقاف أن يتمَّ إيقاف النشاطات المُرَخَّصَةِ للمشروع في حدود إيقاف التوسُّع أو إيقاف الخدمات غير الجوهرية (رابعاً، صفحة 3).
وعلى الرغم من أنَّ المرحلة الثانية هذه، والتي تَلِي المرحلة الأولى البسيطة بـ 30 يوماً، تمسُّ فقط التوسُّعَ أو التفرُّعَ بالخدمات؛ فإنَّ هذَيْنِ النشاطَيْنِ المنطويَيْنِ تحت محتويات الترخيص للمشروع، يمكن أن يُسبِّبا أضراراً جوهرية في التوازن المالي وعلى مُستَقبَلِهِ.
فالمشاريع التجارية قد تتأثَّر مالياً بشكلٍ جوهريٍّ في المرحلة الثانية لإيقاف الخدمات كما يلي وفق الأمثلة:
بناءً عليه، يبدو أنَّ المرحلة الثانية من إيقاف الخدمات قد تَجعَلُ المدين المُتَعَثِّر عن سداد الديون في مواعيدِهَا، مديناً مُفلِسَاً إذا استغرَقَت دُيُونُهُ جميع أُصُولِهِ (مادة 1 تعاريف، نظام الإفلاس)، كلُّ ذلك بسبب العراقيل التشغيلية الجدية التي تَضَعُهَا المرحلة الثانية في طريق توسيع نشاط المشروع التجاري.
وحتى بخصوص المدين المفلس، فقد اعتَبَرَ نظام الإفلاس أنَّ من أهمِّ غاياتِهِ تَمكِينَ المدين المفلس من: “تنظيم أوضَاعِهِ المالية ولمُعَاوَدَةِ نَشَاطِهِ والإِسهَامِ في دعم الاقتصاد وتَنمِيَتِهِ” (مادة 5-أ).
فإذاً، يبدو أنَّ ضوابط إيقاف الخدمات الحكومية لقطاع الأعمال تُؤَثِّرُ في حُسنِ تطبيق نصوص نظام الإفلاس للمشاريع التجارية بشكلٍ جوهريٍّ؛
لذا، نقترحُ إدراجُ قواعد إيقاف هذه الخدمات ضِمنَ نظام الإفلاس في قواعدٍ تفصيليةٍ تَتَنَاغَمُ مع الغايات التنظيمية الهادِفَةِ إلى توفير السيولة للمشروع المُتَعَثِّرِ وإنقاذِهِ من التصفية والحل تحت إشراف محكمة الإفلاس.
وبالمُحَصِّلَةِ، نَستَطِيعُ القول بأنَّ إصدار الأنظمة والقرارات يَحتَاجُ إلى نوعٍ من التناغم من حيث آثارِهَا، خاصةً تلك التي تمسُّ البيئة التجارية الحسَّاسة لأية تغييراتٍ تنظيميةٍ، كما أنَّ القرارات التي تَضُمُّ قواعداً مدنيةً وتجاريةً مزدوجةً يجب أن تَضَعَ استثناءاتٍ خاصةٍ بالهوية التجارية خِشيَةً على التوازن المالي لمشاريع الأعمال التي تُعتَبَرُ جزءاً من اقتصاد الدولة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال