الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الثروات المعدنية هبة الله للإنسان، يقوم باستخراجها من الأرض وتعدينها وتحويلها إلى ثروات اقتصادية، لكي يتم استخدامها في احتياجات الفرد والمجتمع. في أمريكا الشمالية على سبيل المثال توظف صناعة التعدين ما يقدر بمليون شخص وتساهم أنشطة التعدين بمتوسط 25٪ من الناتج المحلي في عدد من الدول. المملكة تعمل منذ عقود على الاستثمار في صناعة التعدين فلذلك أنشأت الحكومة شركة التعدين العربية السعودية «معادن» كما تم وضع نظام من أجل تطوير قطاع التعدين والمناجم ثم وضع إطار تنظيمي لإدارة وتنظيم صناعة التعدين والمناجم في المملكة العربية السعودية. وتسعى المملكة وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ومن خلال برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من قطاعي التعدين والطاقة، وتعظيم الأثر الاقتصادي وتنويعه، واستدامة نموه وتحقيق ريادتها، وخلق بيئة استثمارية جاذبة فيهما. لحماية قطاع التعدين وتعظيم قيمته تعمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية مع برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية؛ لتحويل التعدين ليصبح الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية، والعمل على استغلال الثروات المعدنية في المملكة التي تنتشر في أكثر من 5,300 موقع، وتقدر قيمتها بنحو 5 تريليونات ريال.
ولعل أهم التطورات التي حدثت في قطاع التعدين والمناجم صدور نظام الاستثمار التعديني الجديد ولائحته التنفيذية والتي تهدف إلى تعزيز مبادئ الحوكمة، تحديد الآليات التي تعزز المسؤولية والشفافية والكفاءة والفعالية والاستجابة، من أجل بناء الثقة في القطاع التعديني وتحقيق الفائدة لجميع أصحاب المصلحة، وضمان الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للعمليات في الأنشطة التعدينية وتحقيق الاستدامة في كل ذلك. فحدد نظام الاستثمار التعديني ولائحته التنفيذية 6 أنواع من الرخص التعدينية منها: رخصة الاستطلاع، ورخصة كشـف المعادن ورخصة للأغراض العامة كما حدّد النظام متطلبات والتزامات للحصول على هذه الرخص التعدينية. وفقا لما تقضي به الفقرة (1) من المادة الخامسة والثلاثون من النظام، على طالب رخصة التعدين عند تقديم الطلب أن يضمن في طلبه دراسة للأثر البيئي والاجتماعي وخطة لإعادة تأهيل الموقع والإغلاق، ويلتزم بموجبها باتخاذ جميع الأساليب والاحتياطات اللازمة للحفاظ على البيئة ومصادر المياه والحياة الفطرية وحمايتها من أي مخلفات خطرة أو أي ضرر بيئي. كما حظيت تنمية المجتمعات المحلية بأولوية في هذه المتطلبات والالتزامات للحصول على الرخصة ضمن دراسة الأثر البيئي والاجتماعي في مشروعاتهم لكي تظهر مسؤولياتهم بالإسهام في تنمية المناطق المجاورة للمشروعات التعدينية، مثل: توظيف أبناء هذه المناطق في مشروعات التعدين، ورفع نسبة عمليات الشراء من السوق المحلية، ووضع خطط للتواصل الفاعل مع أصحاب العلاقة من المجتمعات المحلية في محيط المشروع. أن عملية التخطيط للمشاريع التعدينية ذات علاقة وثيقة بالالتزام البيئي وبالاحتياجات الاجتماعية، بالإضافة إلى تأكد من قدرتها على ادارة التغيير وإحداث التأثير. وهذا يحافظ على تحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية، كما يعمل على الحفاظ على الحياة الفطرية وحياة المجتمع ويجعلها أكثر تماسكاً وازدهاراً. ويعتبر ذلك ميثاق الالتزام بالمسؤولية البيئية والاجتماعية. قدمت العديد من الجهات والمنظمات ذات العلاقة العديد من المعايير والنماذج المختلفة لدراسة وقياس الأثر البيئي والاجتماعي في العديد من الصناعات والقطاعات وتعد الصناعة التعدينية من أهمها بسبب ما تنتجه من تأثيرات عالية في كلا المجالين البيئي والاجتماعي نظرا لطبيعة عملية هذه الصناعة والتي تتسبب في إلحاق الضرر بالبشر والكوكب. ولتقليل هذا الضرر يتولى المجلس الدولي للتعدين والمعادن (ICMM) مسؤوليات تعميم التنمية المستدامة في هذه الصناعة والمساهمة في خلق عالم آمن وعادل ومستدام في صناعة المعادن بطريقة مسؤولة كما يلتزم المجلس بتعظيم الأثر في كل ذلك، مع تقليل المخاطر والأضرار المحتملة على الانسان والارض. لتحقيق ذلك طور المجلس معايير ومبادئ التعدين تحدد هذه المبادئ الممارسات البيئية والاجتماعية المناسبة ومتطلبات الحوكمة من خلال مجموعة شاملة من توقعات الأداء، تسعى مبادئ التعدين العشرة المقدمة من المجلس الدولي إلى تعظيم فوائد الصناعة للمجتمعات المستضيفة، مع تقليل الآثار السلبية للبيئة وإدارة القضايا التي تهم المجتمع بشكل فعال. كما أن تنفيذ وتطبيق هذه المبادئ يساهم ويدعم التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
فمن المهم معرفة السلوك البيئي والمجتمعي قبل البدء في النشاط التعديني كأداة للتخطيط والإدارة التعدينية التي تحمي المكونات البيئة وتلبي الاحتياجات الاجتماعية. وفي ضوء ذلك نحاول في سلسلة من المقالات الإجابة على تساؤل “ما هي دراسة الأثر البيئي والاجتماعي بشكل عام، وما تأثيرها على المشاريع التعدينية والاعتبارات التي يجب أخذها بالاعتبار في الجانب البيئي والجانب الاجتماعي؟”
يعرّف تقييم الأثر البيئي الاجتماعي ESIA وفق المبادئ الدولية بأنه عمليات تحليل ورصد وإدارة العواقب البيئية والاجتماعية الإيجابية والسلبية، للتدخلات المخططة في المشاريع وأي عمليات تغيير يتم استحداثها من خلال المشاريع المختلفة ومنها التعديني. وعندما نذكر أهمية تقييم الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع من قبل الشركات لكسب ترخيصها في نشاطها التعديني فإن النقطة الأساسية في ذلك بأن لا ينظر الى هذه الدراسة التقييمية على أنها تكلفة أو نفقات رسوم مفروضة للحصول على الموافقة والترخيص التعديني، لذا يجب أن ينظر الى تقييم الأثر البيئي والاجتماعي على أنه عملية استراتيجية عادلة ومستدامة واستثمار في ادارة المخاطر وتمكين المجتمعات – بعبارة أخرى ، فهو مفهوم القيمة المشتركة، وسيؤدي ذلك الاستثمار إلى تقليل النفقات المستقبلية المحتملة في المشروع من خلال خطط تقليل المشكلات المحتملة وإعادة استخدام المخلفات وتدويرها وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انخفاض تكاليف رأس المال زيادة قيمة المشروع. كما أن هنالك أسباب عديدة تجعل عملية التقييم البيئي ذات فائدة وأهمية كبيرة لجميع شركاء المشروع، من المنظمات الحكومية الرقابية والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية. والمستثمرون والعاملون في المشروع، ومنها ضمان تنفيذ المشاريع بأفضل الطرق، والتأكد من المشروع لا يؤثر بشكل سلبي على البيئة والمجتمع وحماية المصادر الطبيعية وضمان استدامتها للأجيال القادمة تحقيقاَ لمبدأ التنمية المستدامة. كما يمكن أن يساعد تقييم التأثير البيئي والاجتماعي في معالجة مخاوف جميع مجموعات أصحاب المصلحة، والتي ستؤدي الى زيادة قبول ورضي هذه المجموعات بالمشروع فيما بعد.
بعد الحديث عن مفهوم الأثر البيئي والاجتماعي في مشاريع التعدين وأهميتها لجميع أصحاب المصلحة سأتحدث في المقال القادم عن الاعتبارات البيئية والاجتماعية التي يجب أخذها بالاعتبار عند البدء في دراسة تقييم الأثر إلزامية في تراخيص المشاريع التعدينية. حتى ذلك الوقت دمتم بسعادة ودامت بيئاتنا ومجتمعاتنا بخير وازدهار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال