الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الذي يفعله الذكاء الاصطناعي كل يوم أنه يمنح الإدراك لكائنات صغيرة تزاحمنا لكننا لا نراها، منتجات رخيصة لكنها فتاكة. و البيانات الضخمة جانب تقدم المعالجات المحوسبة والشبكات العصِبونية وخوارزميات التعلم العميق أضافت لها قدرات بصرية واستشرافية مرعبة.
آلاف “البوتات” في السحابة اليوم تراقبك، تحللك، تستفزك، تتعاون مع بعضها البعض ضدك وضد أطفالك، وتتعرض معها للابتزاز الخفي وأنت لا تشعر، هذه التطبيقات الجائعة أبدا للبيانات، تستخدم بياناتك وبيانات غيرك لتقرر عنك، أو لتجعلك تقرر -وأنت لاتشعر- أن تترك مطعما وتذهب إلى مطعم آخر، لأن تقييمه في Google Maps أعلى!
ألا يعني هذا أنها تطبيقات قفزت أو تستعد للقفز من مرحلة سيطرة الإنسان عليها، إلى مرحلة سيطرتها على الإنسان؟
لنأخذ مثالا ثانيًا وصارخًا على المرحلة الأولى، تطبيق الـ TikTok الشهير، والذي اختطف الأطفال من أحضان أمهاتهم في كل مكان حول العالم.
يعرف الـ TikTok أطفالك أكثر منك، في كل مشهد يشاهده الطفل يستقرئ هذا البرنامج رغباته، ماهي المواد التي يحب مشاهدتها، بأي لغة، تحت أي تصنيف، من هم أبطال هذا الطفل وقدوته، ما مجموع الوقت الذي يقضيه لمشاهدة مواده الموجهة، ما موقعه الجغرافي، من أصدقاؤه، وماعمره، ويقرر طبقته الاجتماعية من نوع وثمن هاتفه الذي يستخدمه!
ومن كل ماسبق من البيانات الشخصية، تضرب تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضربتها، لتحدد في أي ساعة من اليوم عليها أن تستهدفه بعرض مواد مدفوعة، جريئة، سخيفة أو حتى موجهة، وكذلك درجة تفاعله لهذه المشاهد، وكثيرًا ما تكون أوقات غياب الوالدين!
ثم تدخل من بعد ذلك حسابات السياسة والاقتصاد ومآلات الحرب والسلام والسيطرة على هذا العالم، ألا يعرض الـ TikTok اليوم للأطفال الأمريكيين مليارات الساعات من مشاهد الرقص والضحك وسائر السخافات، في الوقت الذي يعرض فيه لأطفال دولته الأم الصين مشاهد موجهة بالنقيض، علمية ومدهشة وخالبة عن آخر الاختراعات والفتوحات المعرفية، وعن أخبار رواد الأعمال الناجحين في مجالات الطب والتقانة والفضاء، وعن استهداف “العالم الأخر” للصين، المنطلقة إلى المستقبل بسواعد أبنائها الأذكياء الناجحين، صين منافسة موحدة وقوية؟!
أما المرحلة الثانية، حين يسيطر فيها هذا الذكاء الاصطناعي المدرك الواعي على الإنسان فهي مرحلة ديستيوبية حالكة.
هنالك مساقان لمستقبل منتجات الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة من خدمة الإنسان، هما مساق الخير، و مساق الشر، لكن وا أسفا أن يكون مساق الشر أطول، وأوسع، وأعظم تاريخًا.
لنبدأ مثلا من البيانات، وهي التي تغذي هذا الذكاء الجديد وتنميه وتأخذه إلى آفاق جديدة، هنالك أسئلة مقلقة وخطيرة لكننا لم نبحث إجاباتها بعد.
حين ترمي بأحد هذه “البوتات” في محتوى الأخبار اليومية مثلا، مالذي يمكن لهذا “البوت” أن يتعلمه من هذا المحتوى الذي لاينشر غير أخبار قتل الإنسان لأخيه الأنسان، ونهبه له واغتصابه وقصفه بالقنابل؟ كيف سيحكم هذا الذكاء على الإنسان بغير تأصل الشر فيه، وأنه غير قابل للحياة ولا المساكنة؟
وفي المحتوى العلمي الذي نظنه خال من الغرضية والانحياز، وهما أمران مشكوك فيهما بكل حال، كيف نضمن أن هذا الذكاء الاصطناعي غير مدرك لهشاشة الإنسان وضعفه ومسكنته، وهو يحلل بحوثه الطبية، وفتوحه العلمية، التي لم تمنع الموت، ولم تردع فيروسا طارئا هو COVID-19 أن يرسل ملايين من جنسه إلى المقابر؟
وتلك هي النتيجة المقلقة، أن تدرك تطبيقات الذكاء الاصطناعي وروبوتاته التي يتوسع استخدامنا لها كل يوم أن البقاء للأقوى، وأنها إنما تجاور مخلوقا ذكيا لكنه هش وشرير!
بقي مساق الخير، وهو المساق الذي علينا أن نغذيه جيدًا ومن الآن، فذئبا الخير والشر اللذان يتصارعان داخل الإنسان بحسب الحكمة الهندية القديمة، إنما ينتصر منهما الذي يتغذى جيدا.
ولعل في الحديث بقية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال