3666 144 055
[email protected]
نظر غازي من نافذة مكتبه في ذلك المبنى العتيق في قلب العاصمة البريطانية، وكان الشارع حينها مكتظاً بالمتوجهين إلى دوامهم الرسمي، ثم أدار كرسيه نحو مجموعة من الصور المعلقة في جدار مكتبه المكسو بالخشب، ودقق النظر في وجوه من كانوا يشاركونه الظهور في بعض الصور سواءً من الزملاء ووكلاء الوزارة وغيرها من المحيطين والمجاورين في المناصب الوزارية، فتذكر حينها “عبيد”، الذي كان غريب الأطوار، يوافق على كلمة ينطق بها غازي بل يؤيدها بتأييد كاذب احياناً بهدف التقرب وإظهار الولاء. كما تذكر أيضاً “زيد” الذي كان لا يسكت، عندما تطرح قضية ما، تجده حاضراً نشيطاً ويعطي رأياً علمياً احترافياً، واحياناً يكون هذا الرأي مخالفاً لرأي غازي نفسه.
ارتشف غازي رشفة سريعة من القهوة التي كادت ان تبرد وهو في بحر أفكاره، ثم امسك قلمه الفخم ليبدأ بالكتابة وكأنها خلاصة خبراته تتدفق على الورق، فكتب: “اختيار المساعدين الأكفاء نصف المشكلة ، والنصف الآخر هو القدرة على التعامل معهم ، الذي يريد مساعداً قوي الشخصية ، عليه أن يتحمل متاعب العمل مع هذه الشخصية القوية ، أما إذا كنت لا تريد أن تسمع سوى «نعم نعم نعم!» فمن الأسهل -والأرخص- أن تشتري جهاز تسجيل ، أما إذا كنت تريد بالفعل مشاركة الرجال عقولهم ، فعليك أن تتذرع بصبر لا حدود له.”
ماسبق بين علامات التنصيص، هي مقولة حقيقية كتبها الأديب والوزير غازي القصيبي رحمه الله في زمن سابق، وهي حقيقةً وصفة سحرية توضح اولاً صعوبة استقطاب الكفاءات فوضع الاستقطاب ٥٠% من وزن الإجراء، ووضع ال ٥٠ % الجهد الذي ستبذله للتعامل مع هذا المساعد “القوى” فوضح بكلمات بسيطة، ما يجب أن يكون عليه “المساعد” او النائب، أو الوكيل او حتى اي وظيفة مرتبطة بالقائد، من احترافية لا شبهة فيها ولا تشريفات واحترامات زائدة للقائد الذي هو انت مثلاً، فقد تثنيك هذه المظاهر عن اي إجراء حيال تقصير بطانتك، وذلك لاعتقادك الغير دقيق بأن ولائهم لن تجد مثله، ولأن مديحهم لك، وتنفيذهم لما تطلبه بلا نقاش هو ديدنهم، وهذا ما يجعلك في هدوء وسلام نفسي، يقودك إلى يوم أسود، تظهر فيه دفعة واحدة جميع التبعات المترتبة على تراكم الأخطاء على مدى سنوات.
الخلاصة التي أود تعزيزها، ان كل قائد معرض لأن يبتلى ببطانة سيئة، ولكن عليه حينها أن يراجع نفسه وسلوكه الإداري، لأنه هو شخصياً سبب ظهور وتمدد سلوك هذه البطانة داخل المنظمة، بل ان توجيهه لثقافة المنظمة نحو هذا الاتجاه، يخلق طبقات متراكمة ومترهلة من نفس نوعية هذه البطانة من أعلى إلى اسفل الهرم الإداري. بكل الاحوال، لتتلافى هذا الخطر، ضع يدك بيد فريقك واجعل فهمك للنجاح على انه نتيجة لأفكار وتخطيط ثم تنفيذ للمهمة كعمل جماعي، واستنطق كل عضو بالفريق حتى تتلافى وقوع منظمتك -لا سمح الله- في بحر “جائحة الصمت”.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734