الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
(تطور وتطوير أداء لجنة المنازعات المصرفية) (2)
لجنتنا الحبيبة.
تطرقنا في المقال السابق إلى طبيعة أنواع التعامل بين البنوك وعملائها، وإلى كثرة القضايا والشكاوى ضد البنوك والجهات التمويلية، في مقالنا هذا سنُحاول أن يكون لنا قراءة لسِمات القضايا المصرفية، وبعض التوصيات في معالجتها، لتحقيق قدر الإمكان التوازن بين مصالح البنوك والعملاء، وصولاً لتقليل عدد القضايا والشكاوى، ورضا العملاء، وتعزيز المصداقية والموثوقية المأمولة في بنوكنا ونظامنا المصرفي، ولنتأمل جميعاً ولنُساهم في سبيل تطوير أداء لجنة المنازعات المصرفية، من خلال أركان أصحاب العلاقة، وهم البنك، والعميل، والبنك المركزي، واللجنة المصرفية، والجهات ذات العلاقة.
مسعى البنك المركزي لتطوير أداء اللجنة:
انطلاقاً من ثبوت كثرة شكاوى العملاء وقضاياهم، عدداً ونوعاً، أمام إدارة حماية العملاء في البنك المركزي، وأمام لجنة المنازعات المصرفية، وأمام قضاء التنفيذ، وهو الأمر الذي أولته الرعاية والدراسة والقرار السلطة العليا في البنك المركزي، وبحسب علمي فقد أُعِدَّ لها دراسة في سبيل تطوير أداء اللجنة وتقليل عدد القضايا، الأمر الذي ترتبَ عليه عدة قرارات لتحقيق هذه الغاية، وجاري العمل على تنفيذها، وقد اختارَ البنك المركزي أحد رجالاته وهو المُستشار/ ناصر بن حمد الصقير، ليكون الأمين العام الجديد للجنة والذي مارسَ عمله في منتصف شهر ديسمبر 2022م، ولستُ المُتحدِث باسم البنك المركزي عن قراراته في سبيل التطوير، إلا أنني كمُحامي مُمارِس أمام اللجنة، ثابتٌ لي اللمسة التطويرية خلال الأشهر الماضية، ومن ذلك سرعة الإنجاز والحرص على التواصل مع المُترافعين، والله نسأل جميعاً لبنكنا المركزي وللجنتنا الكريمة مزيد التوفيق في رسالتها.
أهمية النظر في المُعالَجات الكُليّة، والعمل على تطبيق ما تصبو إليه القيادة والرؤية من تحقيق (الجودة القضائية)، وهي إحدى مُبادَرات برنامج التحول الوطني:
ولنجاح اللجنة لا يُمكن التركيز على تطوير بنائها الإداري الداخلي فقط، وإنما يجب أن يتضافر مع ذلك الجودة القضائية، ومن ذلك الاستعانة بخيرة المُستشارين المُتخصصين، وبالخبرة المُتمكِنة في إبداء التقارير المُتخصِصة في القضايا، ممَّا يُمكِن اللجنة من تحقيق رسالتها على الوجه الأدق والأسرع، ومما يُعزِز تحقيق المصداقية والموثوقية في نظامها المصرفي، تحقيقاً للبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، ومنها (تعزيز الشمول المالي)، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك دون أن يكون لدينا مصرفية موثوقة آمنة، تشريعياً وتقنياً وأدوات، ودون أن يكون للبنك المركزي الدور الرائد في الرقابة على أداء البنوك ومراجعة عقودها، والمُساهمة في سياسة ائتمانية تخدم الاقتصاد وتوجهاته وإمكانياته، وقضاء مصرفي مُهاب: يحمي الحقوق، ويُعوض المُتضرِر، ويردع المُخطئ، ويمنع المُماطلة.
وكل ذلك عبر جميع أركان أصحاب العلاقة، وهم البنك، والعميل، والبنك المركزي، واللجنة المصرفية، والجهات ذات العلاقة، وهو ما يحتاج إلى مقالات ودراسات.
وبلُغةٍ مُبسّطة، أشيرُ إلى بعض هذه المناحي في سبيل تطوير أداء اللجنة.
التأكيد على أهمية الدور الذي تلعبه لجنة المنازعات المصرفية:
هذه اللجنة التي أُسِّسَتْ منذ عام 1407هـ، وتتمتع بخبرة عالية مُتخصصة مُتراكِمة في شتى أنواع القضايا المصرفية، وتُساهم في تحقيق العدالة المرجوة للفصل القضائي بين البنوك وعملائها، تحقيقاً للعدل وهو أساس الرضا، وتحقيقاً للتوازن والاستقرار بين مصالح البنوك والتجار، في موضوعات ذات أثر بالغ في الحركة الاقتصادية على وجه العموم، وأهمها عقود التمويل والتسهيلات الممنوحة للعملاء، لدعم جميع مناشط التجار الاقتصادية، ودعم جميع احتياجات المواطنين المالية، من مساكن وغيرها.
وأهم ما يجب أن يتمتع به القضاء المصرفي الآتي:
ومثال ذلك ينطبق أيضاً حتى على قضايا الأفراد، مثل تجميد حساب أو مُستخلَصات أو حجز على راتب، ونحو ذلك، لما تُرتبه هذه الأحوال من إضرارٍ بالغٍ بالعميل إنْ تأخَرَ الفصل في قضيته.
وهنا قد يكون المُعتدي بنكاً، ومثال ذلك كما ذكرنا، عدم تسييل ضمان بنكي ساري الصلاحية غير مشروط لمستفيد، أو حجز كامل الراتب على مُتقاعدٍ بالمُخالفة للأنظمة، والأمثلة عديدة لم أرغب بالتوسع بها هنا، لكيلا نُشتِت الفكرة، وفي المثالين فالمعمول به لدى قضاء اللجنة هو تعويض المُتضرِر، وقراءتي – وقد أكون مُخطِئاً – أن مبالغ تقدير التعويض تحتاج لدراسة لتكون مُجزِية، بحيث تردع المُخطئ وتجبر الضرر.
ففي مثالنا عن الضمان البنكي، لا يصلح أن يكون التعويض بمبلغ يقل (مثلاً) عن العمولات التي تتقاضاها البنوك لقاء التسهيلات، وهو الحد الأدنى فيما أرى للتعويض، وأقل فوائد ذلك ألّا يتكسب البنك من عدم تسييل الضمان خاصة أن مبلغه كبير، فيستفيد من المبلغ، ولا يكون التعويض زاجراً له لِألّا يعود لمثل ذلك، ما لم يكن لأصحاب السعادة أعضاء اللجنة مُلابسات وظروف أخرى في القضية تؤثِر على مبلغ التعويض.
أما المثال الآخر، وأعني اقتطاع كامل راتب الموظف المُتقاعد، وهو مثال أعداده كبيرة من شكاوى المواطنين، واللجنة تُقرِر بشأنها إلزام البنك بالتصحيح وبتطبيق النظام، وبالتعويض، إلا أن المُستقرَأ من قرارات اللجنة الكريمة أن ما تحكم به من مبالغ تعويض قليلة لا تتناسب مع أن المُخالِف للأنظمة هو بنك مُحترِف، أول التزاماته هو تطبيق الأنظمة والتعليمات، واحترام العملاء، وعدم التعسف بحقهم، وتعزيز الموثوقية والمصداقية في التعاملات البنكية وثقة الناس ببنوكنا.
وها نحن نسمع من حولنا البنوك الدولية تتساقط، ولا يخفى أن عملاء البنوك يجب أن يكونوا على أعلى درجة من الثقة في البنوك، والأمان على الأموال، وأن ذلك مطلب رسمي يجب أن يسعى البنك المركزي والقضاء المصرفي على تعزيزه، ولأجل ذلك نقول أنَّ ازدياد عدد الشكاوى والقضايا ضد البنوك غير مقبول في ظل التطور المشهود في كل المجالات لحكومتنا الرشيدة.
ولو طُبِّقَ التعويض العادل المُجزي للمُتضرِر، لأجزم أن ذلك سيكون سبباً مُباشِراً في تقليص عدد القضايا وشكاوى الناس، مما سيُساهِم في إلزام البنوك باحترام الأنظمة، وتقدير القضاء المصرفي، إذ يُعاب على بعض بنوكنا أن تكثُر الشكاوى ضدها في مثل هذه المخالفات الواضحة والبسيطة، ولو أنه مسموح لي بالإفصاح لأفصحتُ عن البنوك الأكثر شكاية من عملائهم، ولعلَّه أن يكون هناك دورٌ للبنك المركزي للتقصي عن البنوك الأكثر شكاية ضدهم، وعن أسباب ذلك، في سبيل التطوير والمُعالجة والمُساءَلة.
والتوصية هنا أيضاً، أن تتضمن قرارات اللجنة – بالإضافة إلى تصحيح الخطأ والتعويض – إحالة البنك المُخطئ أو المُخالف للأنظمة إلى البنك المركزي، بطلب تطبيق الأنظمة واللوائح عليه، ومن ذلك إيقاع الغرامات على مُخالفات الأنظمة الصادرة من البنوك والثابتة بحكم قضائي من اللجنة، وأجزمُ أنه متى كان التعويض مُجزياً رادعاً، والغرامة مؤدِّبة، فإننا هنا نكون قد فعّلنا الأنظمة والدور المأمول من البنك المركزي، وقبل ذلك كله الدور المأمول من بنوكنا الكريمة، في موثوقية التعاملات المصرفية وتقدير العملاء، لا أن تتفنن بعض بنوكنا باستغلال ما تحت يدها من اشتراطات وعقود مُصاغَة بالكُليّة لحماية البنك ولو على حساب المواطن أو التاجر أو الاقتصاد، ولو طُبِقّ ذلك فحينها فلنتحدث: هل ستبقى عدد الشكاوى والقضايا كما هو بازدياد؟
وإلى لقاء في المقال الثالث.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال