الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من المبادئ العقود العامة غير المتعارف عليها: فجوة العلم أو فرق المعلومات بين البائع والمشتري. لذا كان الغبن الفاحش، واستغلال الجهل أو الحاجة مؤثراً في صحة العقود؛ لخلل توازن أطراف العقد. ويمكن تطبيق هذا المبدأ على العلاقة التعاقدية بين مريض ومستشفى، وبين شركة تأمين ومستشفى، وبين بائع أجهزة طبية ومستشفى. على سبيل المثال، لو أخذنا مسألة السعر العادل في تكلفة العلاج، فالمريض الذي يحمل وثيقة تأمين، تدفع عنه شركة تأمين، لكن – ولسبب ما – قد ترفض الشركة السداد. هنا تُرفع منازعة لدى مجلس الضمان الصحي التعاوني، والذي يتولى نظرها لجنة خاصة. لكن ماذا لو طالب المستشفى المريض بالسداد، هل يلزمه الدفع؟ ونحن نعلم أن السعر المفروض على شركة التأمين أعلى من تكلفة علاج المريض العادي – بلا تأمين.
هنا نأتي لمسألة عدالة السعر، قد يُنظر في ذلك إلى تسعيرة المستشفى المقيّدة في سجلاته، والموحدة على الجميع، وقد يُتجاهل ذلك، فيُنظر إلى عدالة السعر بشكل عام. فإذا رفضت شركة التأمين السداد، فهل من حق المريض أن يرفض السداد على اعتبار أن تسعيرة العلاج هذه خاصة بشركات التأمين، وبالتالي فهي غير عادلة في حقه؟ ماذا لو كان المريض غير قادرعلى إبرام التعاقد مع المستشفى؛ لفقدانه الوعي عند دخوله! حتى على افتراض أن مرافقه قد وافق على السعر، فهل موافقته صادرة عن إرادة حرة، أم أن حالة المريض أجبرت بطريقة ما على قبول العرض أو الموافقة على العلاج؟ بل يمتد التساؤل إلى المريض وهو في تمام وعيه، إذ قد يجد نفسه – أحياناً – مجبراً على تناول الدواء أو الموافقة على السعر؛ لأن المرض – بحد ذاته – يجعل حالة الشخص متوترة. كيف وقد انضاف إليها التوتر الذي يصاحبه بمجرد دخوله المستشفى، أو انتظاره في صالة المرضى، أو وقوفه لدى الاستقبال، وهو ينتظر موافقة شركة تأمينه، ليُفاجأ برفضها.
هنا يُعمل القضاء سُلطته الرقابية على عدالة السعر أو على إرادة المريض، فيرى أن المريض تأثرت قدرته على الاختيار الحر في التعاقد بسبب ظروفه الصحية، أو حالة الطوارئ المستعجلة التي يصحبها توتر في الغالب. لذا، قد يقال: بأن معظم عقود المستشفى المبرمة مع المريض أو نيابة عنه – خاصة في قسم الطوارئ – غير قابلة للتنفيذ؛ وأن هذا التعاقد يوصف بأنه غير حقيقي؛ لصدوره عن إرادة غير حرة. بيدَ أن المريض ملزم بسداد السعر العادل.
ربما يمتد نظر القضاء إلى تلك العقود العلاجية حتى ولو أُبرمت في ظروف غير طارئة وغير مستعجلة، فمثلاً: قد يوافق مريض على علاجه في جلسته الأولى لدى طبيب. قد يبدو – ظاهرياً – أن موافقته نشأت عن اختيار حر لم يخضع فيها إلى إجبار. لكن بالتحقيق قد نجد الطبيب مارس نوعاً من إرهاب المريض تجاه مرضه أو حالته الصحية في حال تأخره عن العلاج.
وكما يمتد نظر القضاء إلى تقييم عدالة السعر ضد المستشفى؛ يمتد أيضاً إلى تقييمه ضد مزودي الأجهزة الطبية؛ إذ ربما يغالون في قيمة جهاز طبي، وربما يباينون السعر بين مستشفى وآخر وفقاً للملاءة، وربما يعطون وعوداً أثناء التفاوض – لم تُكتب في نسخة العقد، ولا في مسودته الأولى؛ مما يجعل للقضاء حق تقييم السعر، لتحقيق التوازن بين أطراف العقد.
عدم توازن الأطراف هنا عائد إلى ما يسمى بفجوة العلم أو المعلومات (Information asymmetry or information gap) بين الطبيب والمريض أو بين المستشفى ومزودي الأجهزة الطبية، مما يجعل قرار أحد الأطراف ناتجاً عن قصور في العلم مما يحدّ من صحة القرار المتخذ. فالمريض غير قادر على تقييم الدواء الذي يصفه الطبيب أو مدى جدوى الأشعة التي يأمره بها، ولو كان ذلك على حسابه الخاص. ولهذا فتدخل القضاء في العقود الصحية مهم لسد هذه الفجوة؛ فعقود هذا النوع من الخدمات ليست كعقود السلع والمنتجات الأخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال