الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
انفلات التضخم في أعقاب أزمة كورونا والصعود القوي للاقتصاد الصيني في السنوات الأخيرة، خصوصا في أعقاب ركود 2008 العظيم، يفتحان الباب للحديث عن مكانة الدولار كعملة احتياط رئيسية للعالم. عندما يحوز اقتصاد ما مكانة عملة الاحتياط الرئيسية، فإن هذا يعطيها ميزات هائلة، أهمها التدفقات الرأسمالية الاستثمارية المستمرة، وإمكانية طباعة النقود بحرية دون التأثير على جدارة الاقتصاد الائتمانية بشكل كبير. ولكن لا يوجد ميزات بدون تكلفة وحتى هذه الامتيازات لابد أن تكون مستحقة.
موجة التضخم الأخيرة واخطاء البنك المركزي الأمريكي والحكومة الأمريكية في معالجتها أثرت على العالم أجمع. فعلى الرغم من أن التضخم شأن محلي، إلا أن طريقة معالجته عن طريق رفع أسعار الفائدة له أثر مباشر على كل الدول المرتبطة بالدولار بحسب قدر ارتباطها. ولهذا السبب تجد دعاوى الانفكاك عن الدولار وبناء نظام نقدي بديل صدى واسعا هذه الأيام، خصوصا مع الأزمات الجيوسياسية كما يحصل اليوم في أوكرانيا.
مشكلة هذه الدعاوى أنها تغفل عامل تكاليف وشروط عملة الاحتياط. فلا يوجد أي دولة ولا كتلة اقتصادية حول العالم اليوم لديها القدرة لأن تكون بديلا للدولار. فالدولار يتمتع بشيء يشبه الاحتكار الطبيعي. فمتى ما كان أحد القطاعات الاقتصادية يتطلب تكاليفا واستثمارات رأسمالية عالية، فإنه من الأجدى ترك القطاع في حالة احتكارية، مع زيادة تنظيم القطاع من قبل الحكومة.
واليوم، نجد أن أقرب البدائل للدولار هو اليوان الصيني، ولكن الاقتصاد الصيني يفتقر إلى حرية انتقال الأموال ويخضع لسيطرة حكومية عالية ومحدودية مساهمة القطاع الخاص، كما أن سعته لا يمكن أن تتحمل تدفقات رأسمالية مستمرة بدون انفلات في التضخم.
كل الأمور السابقة لا يمكن الاستعاضة عنها عن طريق تكوين تحالفات ومناطق اقتصادية. إنما يمكن بناؤها على المدى الطويل، خصوصا عامل سعة الاقتصاد. ولفهم أعمق لعامل سعة الاقتصاد، يمكن للقارئ العودة إلى بداية الطفرة النفطية الأولى في السعودية بين الأعوام 1975 و1980.
ولذلك يمكنني الجزم بأن عصر الدولار لا يمكن أن ينتهي إلا في حال وجود بديل. وأقرب بديل غير جاهز اليوم. وبناء العوامل التي يحتاجها الاقتصاد الصيني لدعم اليوان كعملة احتياط لا يمكن أن تتم في عقد من الزمن، بل أني أشك في قدرتها على ذلك على مدى العقدين القادمين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال