الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ عامين قرأت تصريحًا لصاحب السمو الملكي ولي العهد، محمد بن سليمان في سياق كلمته عن وثيقة رؤية المملكة 2030 مفاده ثقته في مستقبل المملكة وقدرة الشعب السعودي على إبهار العالم، وبصفتي شخصًا اعتاد قراءة كلمات الكثير من القادة البارزين حول العالم، أدهشتني كلماته و نقلتني لحالة عقلية من التفكير والتدبر عن معناها ومغزاها.
نقلتني كلماته لما يزيد عن 1440 عامًا، عندما خرج من هذه المنطقة نورًا أدهش العالم، تغيير العالم بفضل التطورات التي شهدتها منطقة شبه الجزيرة العربية بداية من عهد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، كانت الدعوة كالمطر الذي يحيي الصحراء، ومن قلب الجزيرة العربية نهض شعب متشبع بروح الإيمان ومجهز بالمعرفة لنشر رسالة الإسلام للسلام إلى أركان العالم الأربعة. وفي سياق نشر الدعوى نشأ إطار مؤسسي غير مسبوق متألق بفنون الحكم والتجارة والنهضة الفكرية.
كشفت لي كلمات صاحب السمو لمحة عن الماضي العريق للمملكة وشعبها، ولحسن الحظ، سرعان ما اكتشفت مغزى العبارة ومنطقها بالنظر لوضع المملكة الحالي والتوقعات المأمولة لمستقبلها الزاهر. والفعل فالمملكة على عتبة إدهاش العالم مرة أخرى.
كان لي من الحظ نصيب فبقضائي جزء كبير من هذا العام في المملكة. تشرفت بلقاء عشرات السعوديين بدءا من رجال الأعمال من جميع الأطياف إلى مسؤولي القطاع العام، فضلا عن الأكاديميين والطلاب في مختلف المدن. وكان انطباعي الأول وعقيدتي بعد كل هذه اللقاءات أنني في حالة من الانبهار والدهشة.
لا يكاد المرء يخطو خطوة في المملكة إلا ويشعر بطاقة واضحة في الهواء في كل مكان يذهب إليه. إنها ليست متعة عابرة أو نوبة مؤقتة من لبهجة بسبب بعض الحريات المكتشفة حديثا (مثل السماح للنساء بقيادة السيارات) أو فتح أشكال جديدة من الترفيه (المسارح والحفلات الموسيقية). بطبيعة الحال، لا يمكنني تجاهل أهمية كل هذه الأشياء، ولكن الميزة الأكبر والأهم هو زيادة “مؤشر الحماس الوطني” الجديد.
يتقاسم السعوديون الذين التقيت بهم حماسة مشتركة لممارسة دور فعلي في النمو الاقتصادي للمملكة وفي تأمين مستقبل أفضل لهم ولأجيالهمـ وتسربت هذه الحماسة والقناعة بوجوب ممارسة مثل هذا الدور الفعلي في النسيج الاجتماعي للدولة بأكملها وصارت جزء لا يتجزأ من ثقافة الدولة ومواطنيها.
خذ على سبيل المثال، الطلاب. كان الطلاب الذين التقيت بهم مدركين أن ممارسة دور هام في مستقبل بلادهم الاقتصادي والمتنامي يتطلب منهم التفوق في مجالاتهم والاستمرار في تطوير مهاراتهم والرقي بها. لم يخجل المحامون الشباب الذين التقيت بهم من سؤالي عن مجموعة المهارات التي يحتاجونها لتوسيع أفقهم الفكري وتأهيل أنفسهم لدخول السوق العالمي.
لقد وجدت رجال الأعمال (ومعظمهم من الجيلين الثاني والثالث) متحمسين للفرص المعروضة للنمو. أما أكثر ما أدهشني فهو رواد الأعمال الشباب والذين أدهشوني بتفكيرهم المبدع والخلاق وأفكارهم المميزة بأنها أفكارًا غير نمطية أو كما يقال “خارج الصندوق” ممزوجة بمعرفة مثيرة للإعجاب بالاتجاهات الاقتصادية العالمية.
كان مسؤولو القطاع العام الذين التقيت بهم ينضحون بشعور بالمسؤولية تجاه البلد وشعبه. أخبرني مسؤول في الوزارة أنه في سعيه لإنجاز المهام الموكلة إليه، اعتاد العمل بانتظام لوقت متأخر بعد ساعات العمل. وبدأ معظم المسؤولين الحكوميين، غير الخائفين من التحديات الجديدة، نشيطين وحماسيين ومرحبين بالأفكار الجديدة.
وبصفتي طالبا شغوفا بالتاريخ، أعتقد أن الدول التي تطور قيادتها وشعبها رؤية مشتركة تصبح مهيأة للتميز. وبعبارة أخرى، فإن أحد المكونات الأساسية لازدهار الأمة هو عندما تحظى رؤية القائد بالقبول على مستوى القاعدة الشعبية. من الواضح أن هناك “تآلفًا فكريًا وعقليًا” بين ولي عهد والسعوديين فيما يتعلق برؤيته للبلاد.
اعترف بأن المملكة كان لها السبق بسبب مكانتها الأساسية: فهي نواة العالم الإسلامي بسبب مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد ضمنت احتياطاتها من الطاقة الاعتماد العالمي على البلاد، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي يضعها في قلب العالم. ولكن مع وجود شباب نشط وذو تفكير تقدمي، وقطاع عام متجاوب، ودولة تستثمر بكثافة في تأمين مستقبل البلاد، فقد ظهرت بنية “الدولة بأكملها”، على غرار آلة تعمل بسلاسة نتيجة لتناغم كل جزء من أجزائها وعملهم جنبًا إلى جنب.
ورأيت ثمار هذا التوجه القيادي والدعم الشعبي حيث سرعان ما أنجذب العالم بشكل متزايد نحو المملكة ويتطلع المستثمرون الدوليون إليها كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر. تبنت الرؤية نهج الإصلاحات الاقتصادية واسعة النطاق ومبادرات الخصخصة والرقمنة ووعد الدولة للمستثمرين الدوليين بالحرص على توفير مبدأ “المساواة في المعاملة” بين المستثمر الأجنبي وأبناء المملكة.
بالنسبة للعالم، تظهر المملكة الآن كدولة تجمع بين التقاليد والحداثة، والطاقة والهدف، والازدهار والمساواة.
ويواكب التطورات الاقتصادية والفكرية في المملكة تطورات قانونية. تستمد قوانين المملكة روح أفضل الممارسات الدولية في المجال القانوني ولعل المثالين البارزين على ذلك يتمثلا في قوانين الخصخصة وقانون الشركات. ويستند كلا القانونين إلى أفضل الممارسات الدولية ويوفران أرضا خصبة لنمو شراكات طويلة الأجل بين القطاعين العام والخاص.
وليس من المبالغة القول إن المملكة مهيأة الآن للوصول إلى المكانة العالمية التي تستحقها. وعودًا على بدء أعتبر نفسي محظوظًا لأن أعيش هذه الأيام وأغبط شباب المملكة والذين يشكلون النسبة الأكبر من التوزيعة السكانية على مشاركتهم ورؤيتهم للمملكة تدهش العالم مرة أخرى!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال