الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على ضفاف كورنيش جدة وسماءها الصافية مع وجود سحب من فترة لأخرى واقتراب فصل الصيف الذي يبدأ بعد أسبوعين، تشهد هذه المدينة الصاخبة بالضجيج وحركة السياح القادمون إليها وأهلها الذين يحبون السهر والسمر ومشروعات تشهدها وتنمية وبناء في كل أطرافها، وسط هذا الانشغال، تتجه أنظار العالم الى السعودية حيث تعقد القمة العربية الـ 32 في مدينة جدة، بمشاركة جميع قادة وزعماء الدول العربية.
تهدف القمة إلى تعزيز التنسيق والتكامل والتعاون بين الدول العربية في مواجهة الملفات الشائكة والأزمات المستعصية التي تؤثر على أمن واستقرار وتنمية المنطقة. كما تشهد القمة عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية بعد غياب دام 12 عاما، في خطوة تثير جدلا واسعا على المستوى الإقليمي والدولي. ولعبت الدبلوماسية السعودية دورا مهما وبارزا لتثبت للعالم أنها صانع سلام وشريك استراتيجي في المنطقة والعالم.
تدخل القمة العربية بمؤشرات إيجابية من أهمها وهي أن هذه القمة لأول مرة لن تحمل عبارات تنديد أو لوم في بيانتاها الختامية للحكومة الإيرانية كما كان متبعا في السابق، وهذا يعكس التزام ايران بالاتفاقية التي تمت بينها وبين السعودية برعاية صينية، وقطع الجانبين شوطا كبيرا، والاتفاق على بناء ثقة متبادلة مبنية على التعاون والتنمية وعدم التدخل في شؤون الغير.
ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى التي تعزز نجاح القمة العربية في جدة، استئناف العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين في إبريل الماضي، بعد قطيعة منذ العام 2017، حتى طرفي النزاع في السودان قوة التدخل السريع والجيش، اظهرا تجاوبا وتعاونا خلال لقاءهما في جدة، لوقف نزيف الدم، وجهود السعودية في إجلاء عدد كبير من رعايا الدول الأجنبية والعربية ومواطنيها السعوديين الذين علقوا في السودان، وحظيت هذه المبادرة بالثناء والشكر والتقدير من المنظمات الدولية والإنسانية وأيضا الحكومات التي طلبت إجلاء رعاياها.
وتدخل اليمن لأول مرة اجتماع القمة العربية بدون أي إملاءات أو تدخلات خارجية كما كان يحدث في السابق باتهام الحوثيين، وعودة العلاقات بين السعودية وإيران قطعت الطريق أمام الحوثيين للاصطياد في الماء العكر، اليمن حاليا يعيد ترتيب أوراقه السياسية لإعادة بناء اليمن من جديد بعد النزاعات والحروب الداخلية والأهلية.
تدخل القمة العربية في جدة وملف فلسطين ملطخ بدماء شهداءها الذين سقطوا قبل أيام نتيجة الاعتداء السافر للجيش الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني الفلسطيني بين الأخوة وخاصة بين السلطتين ما جعل القضية الفلسطينية قابعة في مكانها دون أي حراك في اتجاه السلام.
ويبقى الخلاف بين الأشقاء في المغرب والجزائر أحد الملفات التي تصغر وتكبر حسب ظروفها ومعطياتها السياسية، ومع ذلك لم تصل الى مرحلة مواجهة حيث يتعامل البلدين مع هذا الملف بعقلانية، ودون تشنج ومتى ما أراد الطرفان حل الموضوع بالتأكيد سيتوصلان الى نتيجة مقبولة للطرفين.
ربما يقلق العرب الآن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، والحقيقة أن الوضع في بلد المناضل عمر المختار معقد ومتغير باستمرار. ليبيا تشهد صراعا بين قوى متعددة تتنافس على السلطة والنفوذ في البلاد، وتتدخل فيها دول إقليمية ودولية بشكل مباشر أو غير مباشر. وتعاني من انقسام سياسي ومؤسساتي وعسكري منذ عام 2011 وتفاقم هذا الانقسام بعد عام 2014 عندما انقسم البرلمان إلى جزئين، واحد في طرابلس يدعم حكومة الوفاق الوطني، وآخر في طبرق يدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
في عام 2020، توصل الفرقاء الليبيون إلى اتفاق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وانتخبوا في ديسمبر 2021 حكومة انتقالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. إلا أن هذه الحكومة تواجه تحديات كبيرة في توحيد المؤسسات المنقسمة، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، وإعداد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات. إذا يمكن القول إن الحال السياسي في ليبيا غير مستقر وغير محسوم. لا يزال هناك حاجة إلى جهود سلام دولية وإقليمية لضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وإلى تضامن شعب ليبي لإنهاء سنوات من الصراع والانقسام.
أما بلد الجبل الأبيض أو لبنان فهي لاتزال تعيش أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية خانقة، منذ الانفجار الذي هز مرفأ بيروت وقتل 200 شخص وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة. مع انهيار قيمة عملته الوطنية، وارتفاع شديد في التضخم، ونقص حاد في الوقود والكهرباء والدواء والغذاء، وفقدان كثير من المواطنين لمدخولهم ووظائفهم. ويشهد أيضا احتجاجات شعبية حاشدة ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي يتهمها المحتجون بالفساد والإهمال والعجز عن تشكيل حكومة جديدة قادرة على إنقاذ البلاد من الانهيار. وهذا الموضوع يقلق أشقاؤها العرب حيث أنها كانت الوجهة الرئيسية للسياحة العربية والاستثمارات، ومع تفاقم الصراعات السياسية، بهت دورها وحضورها في السياحة العربية وانسحاب الاستثمارات الخليجية والعربية، وانعكس على اقتصادها الصراعات المحيطة به خصوصاً الحرب في سوريا التي دخلت عامها الحادي عشر. واستضافت لبنان ملايين اللاجئين السوريين على أراضيه، مما زاد من الضغط على موارده المحدودة. ولا يزال البرلمان غير قادر على اختيار رئيس للجمهورية حتى الآن.
يراهن العرب على نجاح قمة جدة في معالجة قضايا التنمية والبناء والمزيد من المصالحات فيما بينها، والجامعة العربية معنية بلعب دور مهم وفاعل في المرحلة المقبلة مع التوسع في المجالات التقنية والرقمية والتكنولوجية، ودفع المزيد من الاتفاقيات فيما بينها بما يحقق اندماج لشركات كبيرة، وخلق فرص عمل لشبابها، وانخراطهم في التنمية بدلا من الانشغال بالصراعات الحزبية والطائفية، وتهيئة مناخ الاستثمار وتسهيل تنقلاتهم بين الدول العربية بيسر وسهولة باعتماد نظام التأشيرة الموحدة، وهناك تجارب يمكن الاستفادة منها في الاتحاد الأوروبي ودول الخليج ويمكن تطبيقها بين الدول العربية وأيضا تسهيلات انتقال البضائع، وهذا يدعم حركة التنقل والتواصل بين رجال الأعمال والمستثمرين والخبراء والفنيين والعاملين في المشاريع الإقليمية والبنوك والشركات المالية والتأمينية وغيرها من القطاعات الحيوية في الدول العربية، مما يزيد من فرص التعاون والشراكة والتبادل التجاري وتحفز حركة الاستثمار العربي المشترك في مختلف المجالات الاقتصادية، مثل الصناعة والزراعة والسياحة والطاقة والاتصالات والتكنولوجيا وغيرها، مما يسهم في تحقيق التكامل والتكافل الاقتصادي بين الدول العربية، وزيادة حصتها من التجارة العالمية.
في الوقت الذي يبقى طريق الملك في جدة مغلقا أمام حركة السيارات، أنظار العالم العربي تتجه الى إعلان البيان الختامي ومنظر لقاءات القادة العرب مع أشقاءهم من أجمل المناظر التي تكون محفزة للتعليق عليها من المراقبين المحللين والسياسيين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال