الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتقد المبشرون بتقنية الذكاء الصناعي أن هذه التقنية سوف يكون لها تأثير على القرن الحادي والعشرين أكثر من تأثير الحوسبة والرقمنة والحاسب الآلي على القرن العشرين التي مرت منذ عام 1950 م بابتكارات أدت لتسريعها ونضوجها وتكاملها مثل الدوائر الكاملة والترانزستور والذاكرة الصلبة والاتصالات والإنترنت .
المفارقة المستغربة في تطور الذكاء الصناعي أنه قديم كقدم الحوسبة ، فلقد تم التعرف إليه أول مرة عام 1956 م إلا أنه لم يتمكن من مجاراة سرعة تطور والده ” علم الحوسبة ” بنفس السرعة والنضوج فقد تخلل مراحل نموه المتعثر كبوات وإخفاقات ونجاحات نسبية يطلق عليها دورات “أصياف و أشتية الذكاء الصناعي” . تمثلت هذه الدورات في طفرات من الحماس ثم موجات من الاخفاق قبل أن يسلك في العقد الأخير مساراً تصاعدياً من الإنجازات التي جعلته يتصدر مشهد بداية الثورة الصناعية الرابعة ويسعى للسيطرة على الخامسة المتوقعة . هاتان الثورتان الصناعيتان اللتان هما سلاحا علوم وتطور التقنية والصناعة وملاذ القوة للدول المتنافسة على اقتصاد العالم قبل نهاية النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. نلاحظ اليوم أن المهتمين من علماء ومهندسين وطلبة جامعات وباحثين وهواة ورجال أعمال وتنفيذيين يتحدثون عن الذكاء الصناعي كونه واقعاً تفرض تطبيقاته فوائدها على مناحي حياتنا اليومية . مفردات كإنترنت الأشياء والتعلم الآلي والتعلم العميق والبيانات الضخمة والذكاء الصناعي العام والذكاء الصناعي المحدود وأخيرا تقنية Chat GPT اصحبت تتداول حتى بين طلاب المدارس تداول المعرفة والاستخدام لا تداول صوالين النخب والترف الفكري وأحاديث الفضول والتعالم.
للذكاء الصناعي – حسب أدبياته المتداولة اليوم – مسارين الأول هو صنع آلة ذكية تقوم بعمل محدد ويمكن للآلة في هذه الحالة التفوق على البشر في مهمتها المحددة. والمسار الآخر هو تطوير آلة تتمكن من القيام بالعديد من الأعمال من خلال قدرتها على الاستقراء والتحليل والتعميم واتخاذ القرار والفعل بناء على ذلك بمرونة عالية ودقة عالية وشمولية مع تميزها بالتعلم المستمر وتطوير قدراتها بذاتها وتصحيح أخطائها آلياً.
المسار الأول لامراء فيه فشواهده الفعالة مثل برنامج لعبة الشطرنج أو قراءة الاشعة الطبية ومركبات القيادة الذاتية أو روبوتات مصانع السيارات أكثر من أن تحصى أو تعد. بينما المسار الثاني الذي يبحث في الذكاء الصناعي العام أو مايطلق عليه ” النموذج القوي” ذو القدرات المتعددة والمرنة فيصطدم بعقبتين هما قدرته على تمثيل المعرفة و ونجاحه في امتلاك الوعي . ويزعم المتخصصون في هذا العلم أنه من خلال محاكاة الشبكات العصبية عند البشر فمن الممكن تطوير شبكات اصطناعية لديها القدرة على البحث في تريليونات النصوص والصور والبيانات والاحداث المباشرة وعرض النتيجة (تمثيل المعرفة) ، ومعالجتها والتصرف (بوعي) بناء على ذلك خلال جزء من الثانية كما تفعله الخلايا العصبية في الدماغ عند استشعار حواس الإنسان الخارجية لأمر ما. لذا يعتقد كثير من رواد الذكاء الصناعي أن مستقبله يعتمد على مبادئ الدماغ باستخدام أُطر مرجعية تحاكي خرائط القشرة المخية في دماغ الإنسان وهذا هو مايقصدونه بالجيل القادم من الذكاء الصناعي الذي يستطيع تمثيل المعرفة و يتميز بالوعي في ذات الوقت.
لكن السؤال العلمي والفلسفي الذي لم يجب عليه حتى الآن: ما هو الذكاء وهل يمكن قياسه وتحديده ؟ وهل الوعي عملية كيمو–فيزيائية بيولوجية يمكن معرفة تركيبها الكيميائي و ظواهرها وبواطنها الفيزيائية ومن ثم محاكاتها ؟ أم أن الوعي يتجاوز الوصف المادي إلى ماوراء الطبيعة ويتعلق بالروح ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)؟ وهل إذا وصل الإنسان لصنع آلة ذات وعي ولو ذات نسبة ضئيلة يصبح لدينا التزام أخلاقي تجاه هذه الآلة كتجريم من يفصل الكهرباء عنها كما يتساءل أحد فلاسفة جامعة ييل العريقة؟ وماهي المخاطر التي يمكن أن تواجه البشرية لو تطور المسار الثاني وأصبح لدى الآلة وعياً ولو كان نسبيا ومرونة كبيرة وتعلم ذاتي مستمر في نفس الوقت ؟
في شهر مارس المنصرم كشفت شركة Open AI حليفة “مايكروسوفت” النقاب عن برنامج الذكاء الاصطناعي (Chat GPT 4 ) الذي يستطيع إشراك المستخدمين في محادثة كمحادثاتنا البشرية و تأليف القصائد الشعرية وتلخيص الوثائق الطويلة وقراءة الصور. تلى ذلك فوراً – ربما لغرض تنافسي – أن قام ألف شخص من خبراء الذكاء الاصطناعي ومدراء تنفيذيين من بينهم آلان ماسك في رسالة مفتوحة للعالم طلب التوقف لمدة ستة أشهر عن تطوير أنظمة أقوى من برنامج( Chat GPT4) محذرين و مشيرين إلى المخاطر المحتملة لمثل هذه التطبيقات على البشر.
يقول أحد المتخصصين : ” غالبا مايتم مقارنة ذكاء الآلة بجنيٍّ في قمقم فبمجرد اطلاقه لايمكن اعادته وسنفقد بسرعة قدرتنا على التحكم فيه ، وهذه المخاوف لا أساس لها من الصحة فلن نفقد السيطرة على الآلة ، ولن يحدث شيء بسرعة ولدينا متسع من الوقت لفرز المخاطر والتفكير في الطريق التي نريد أن نمضي فيها “.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال