الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هناك رجال مراحل، رجال قفزات، أيا ما يكون اتجاه هذه القفزات.
ولعل جاك ويلش، الذي قاد جنرال موتورز (GE) في ثمانينات وتسعينيات القرن المنصرم، من أهم هؤلاء الرجال، وأكثرهم قسوة وصرامة، رجل لم يرف له رمش واحد في تنفيذ سياسة إدارية قاسية قامت على استراتيجيات ثلاث مترابطات، أولها تسريح آلاف الموظفين لتخفيض التكاليف، ثانيا، الاستحواذ على الشركات الرشيقة الناشئة في المهد لتكون أجنحة إضافية لجنرال موتورز لشركة الأم في تنويع المنتجات ورفع العوائد، وثالثا وهي النتيجة لما سبق، في توسيع أرباح الملاك وحملة الأسهم بأي ثمن.
كانت النتيجة لتلك الاستراتيجيات الثلاث، تضخم جنرال موتورز بحسب CBS إلى 4000%، تحت قيادة هذا الرجل الذي أسمته مجلة فورشن بالرجل الأقسى في أمريكا!!
لكن خطورة ويلش الحقيقية ليست هنا، بل في تفريخ عشرات المدراء التنفيذيين الذين أبصروا فيه قدوة إدارية، وفي سياساته التشغيلية مثالا يحتذى، مثل لو قارسنز مدير IBM التنفيذي الذي سرح قرابة 60 ألف موظف منها، ليتراكم عدد الموظفين الذين سرحتهم أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة بنهاية التسعينيات إلى أكثر من 3 ملايين موظف، منتهيا الحال بتغول هذه الشركات دون رحمة للعاطلين، عبر انتهاج هذه الاستراتيجيات المدرة للأرباح بأقل كلفة من الموظفين والعاملين، ولتشهد الرأسمالية الأمريكية انتقالاً تراجيدياً بحسب مؤلف الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، من رعاية العاملين من المواطنين دافعي الضرائب، إلى رعاية النخب المالية كيفما اتفق، مكدسة الثروة في أيدي قليل من الملاك غالبا ما يكون المدير التنفيذي منهم بصفته من حملة الأسهم، مقابل الاعتماد على عمال رخيصين من وراء البحار في أطراف آسيا البعيدة، عمالٌ يبحثون عن الحياة، بدلا من عمال محليين يبحثون عن رفاهية الحياة!
الكتاب مليء بحقائق محزنة لكنها جريئة، وهي تكشف بحسب المؤلف عن خلل عميق في جدار الرأسمالية الحديدي، والذي تسرب منه ويلش وأمثاله بأساليب إدارية تساهم أول ما تساهم في تهشيم الرأسمالية من الداخل، أو بصيغة أقل مبالغة حين يهدأ في بعض فصوله، في إعادة توجيه دفة الرأسمالية بعيدًا عن مصالح الموظفين الكادحين في الداخل، مضعفة الاقتصاد حتى التهافت!
وفي الكتاب، دعوة إلى إصلاح الرأسمالية بانتزاع “الويلشية” من الثقافة القائمة حاليا في تشغيل الشركات وأنظمتها، وهي مشكلة أدركها أيضا قادة آخرون في شركات متنوعة، أيقنوا أن للتعاطف والتكافل والتراحم وباقي أدبيات الأنسنة التشغيلية، أثرًا نافعا ومربحًا أيضا، بينما تفاقم الضرر الذي تسببت به الويلشية درجة تحجيم الإبداع وتقليص الولاء المؤسسي، حيث يعمل الموظفون من أجل البقاء على قيد الوظيفة لا أكثر، حين يدركون أنّ نفع كثير مما ينتجون ذاهب آخر اليوم إلى جيوب النخب المالية، وحين تنتهي عقودهم بالتقاعد أو بغيره، فإنهم يستنزفون ميزانية الحكومة في الرعاية الصحية والمعونات الاجتماعية.
في الكتاب أيضًا، دعوة صريحة إلى تحجيم رواتب المدراء التنفيذيين الذين كان ويلش أحدهم، والذي قاربت ثروته المليار دولار في عام 2006، وكانت مكافأة خدمته هي المكافأة الأكبر في التاريخ، بحوالي نصف المليار دولار!
بغض النظر عن الاختلاف مع كثير من طرح المؤلف، تبقى أفكار الكتاب جريئة وداعية للتفكير والتأمل، والكتاب الذي ارتقى أفضل مبيعات نيويورك تايمز، نافع لكل من يود أن يسمع صوتاً مغايرًا في نقد ثقافة الشركات الحديثة، التي يتوسع كثير منها ويتغول دون معنى ولا غاية!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال