الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل ثمة ارتباط بين شعيرتي الحج والوقف؟ ما وجه العلاقة بينهما؟ وهل لأحدهما تأثير على الآخر؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذا المقال -مستعيناً بالله-.
من السنن الكونية تفاوت البشر في تحصيل الأرزاق والثروات، فكان الأغنياء، والفقراء، وما هم بين ذلك. وإيماناً بهذه السنة الكونية جاء الإسلام بتشريعات متكاملة، يسهم مجموعها في تحقيق العدالة الاجتماعية، مع مراعاة الجبلة البشرية -التي فطرت على حب المال-وتهذيبها.
وعلى ما في المسلمين من تنوع واختلاف في لغاتهم، وألوانهم، وثرواتهم، وبلدانهم، إلا أنهم يشتركون في الحج على صعيد واحد، ولأداء نسك مشترك. الرئيس والمرؤوس، الغني والفقير، الجميع جنباً إلى جنب، في الطواف والسعي والرمي، بزي واحد، ينشدون رحمة ربهم.
ويقصر البيان في تجلية القيم والمعاني والجماليات التي تتجلى في شعيرة الحج، من ترسيخ لقيم التراحم والتعاطف، والأخوة والتكامل، والبذل والعطاء فيما بين المسلمين؛ ليمثل الوقف، أداة عملية تقدمها الشريعة الإسلامية؛ ترجمة لتلك المعاني السامية.
إن استقراء التأريخ الإسلامي، على امتداد ألف وأربعمائة عام، يؤكد على علاقة وطيدة جمعت بين شعيرتي الحج الوقف، وتأثير بالغ لكل منهما على الآخر. إذ أدى الوقف الإسلامي خدمات جليلة لتسهيل شعيرة الحج، وأداء مناسكه، ليس في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة فحسب، بل بدءاً من طرق الحج التي كانت تسلكها القوافل من مختلف البقاع وإلى الحرمين، إذ كان للوقف الإسلامي دور فاعل في تعبيد الطرق، وبناء الأسبلة، ومحطات التوقف للمسافرين، هذا بالإضافة إلى الإسهام في تقديم مجموع الخدمات التي يحتاجها الحاج والمعتمر في مكة والمدينة، من سكن، وإعاشة، وتنقل، وغير ذلك.
وفي المقابل مثلت شعيرة الحج، موسماً خصباً؛ لتحفيز قيم البذل والعطاء، لدى أفراد المجتمع الإسلامي من حول العالم، إذ شهدت المدينتين المقدستين، على امتداد التأريخ الإسلامي، احتضان العديد من المبادرات الوقفية، والتي تجاوزت في تطبيقاتها ومصارفها، مسألة الحج، لتشمل إلى جانب ذلك، الإسهام في تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية، والعلمية، بل والإسهام في تحقيق الإصحاح البيئي، والأمن الغذائي. وشواهد ذلك أبلغ من أن يستوعبها مقال.
إن العلاقة الوطيدة بين الحج والوقف في الحضارة الإسلامية، وخدمة كل منهما وتأثره وتأثيره في الآخر، لها تطبيقاتها المعاصرة، ومنها ما زال الوقف حاضراً فيه حتى اليوم، إلا أن استقراء التأريخ الإسلامي يؤكد توافر فرص أعظم؛ لتعزيز قيمة الوقف في الحج، وفي ذات الوقت اغتنام موسم الحج لصالح الوقف الإسلامي، سواء من حيث الدعوة إلى المزيد من المبادرات والتطبيقات العملية، وتعظيم أثرها، أو من الناحية العلمية؛ ليمثل الحج، الزمن الأمثل لانعقاد أهم وأكبر المؤتمرات العالمية في مجال الوقف الإسلامي؛ حيث تتوافد العقول الإسلامية إلى المدينتين المقدستين في هذا التوقيت، دورياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال