الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل بالفعل يمكن للشرق الأوسط أن يصبح أوروبا الجديدة؟ دائما ما نتحدث عن توفر الإمكانيات والموارد، ولكن ما الذي ينقصنا لصناعة نهضة عربية حقيقية، مماثلة لأوروبا أيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر والمعجزة الصينية في القرن العشرين؟
خلال انعقاد القمة العربية في جدة، انتشرت الإحصاءات التجميعية التي تضع العالم العربي كسادس أكبر اقتصاد وغناها بالموارد، كالعادة مع كل قمة. إلا أني وجدت أفضل تشخيص لمشكلة العالم العربي لدى الدكتور إحسان بوحليقة في مقالين نشرتها صحيفة مال، وعدد من التغريدات. اقتبس منها قوله: “يمثل سكان الدول العربية اقل من 6 بالمائة من سكان العالم. بينما تنتج الدول العربية 3 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي. هذه الانتاجية المتدنية هي (بلا أبوك يا عقاب)”. المقال (هنا)، فعلى الرغم من غنى العالم العربي بالموارد، إلا إن اسهامه الاقتصادي أقل من امكانياته بسبب ضعف الإنتاجية.
على صعيد آخر، حضرت أكثر من لقاء لأخي عمر الجريسي، في جولته لتقديم كتابه الحلم الكبير في مختلف مدن المملكة. الكتاب هو توثيق عمر لرحلته مع رؤية المملكة 2030، وهو عمل في غاية الأهمية، لأن التحول الذي يشهده المجتمع السعودي من السرعة بدرجة يصعب معها فهم أثر الأحداث علينا. يمكن اختصار هذا الحلم الكبير بتحول يجعل السعودية محور نمو أساسي برفع إنتاجيتها الاقتصادية بما يؤهلها لاستغلال كل طاقاتها الكامنة من موارد طبيعية وبشرية. الأمر الذي يعني بطبيعة الحال تحررنا من الاعتماد على النفط، وكذلك في نفس الوقت وبسبب احتياطياتنا الكبيرة من النفط، قيادة السعودية لقاطرة النمو في المنطقة.
أحد الأسباب التي تحد من قدرة الصين على تبوء زعامة العالم اقتصاديا هي الموارد البشرية. فسياسة الطفل الواحد التي اتبعتها غيرت من ديموغرافية المجتمع والأثر سيبدأ في الظهور في عقد الأربعينيات القادم. هذه المشكلة غير موجودة في العالم العربي والشرق الأوسط. فعلى الرغم من إحصائيات تعداد السكان 2022 التي فاجأتنا بانخفاض في عدد السعوديين، مازال النمو السكاني يفوق المعدل العالمي. بينما نجد أن ما ساهم في تعافي الاقتصاد الأمريكي بعد أزمة كورونا كان المنافسة بين الولايات.
لو استثمرنا هذه العوامل معا في وقت واحد، فإن هذه وصفة صناعة أوروبا جديدة. فحتى أوروبا التي سيطرت على العالم لقرن من الزمان احتاجت إلى مصانع بريطيانيا ومؤسسات فرنسا وأبتكارات هولندا في التبادل التجاري. كل دولة ادلت بدلوها بناء على ميزتها التنافسية.
بالتركيز على حل مشكلة الإنتاجية الضعيفة للموارد البشرية العربية والميزات النوعية الخاصة بكل دولة، يمكننا تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا القرن الحالي والمقبل. يلعب فيه الحلم الكبير للسعودية دور المحرك الأساسي. فبالإضافة إلى خلق الفرص وجذب الاستثمارات للمنطقة كلها، فإن قصة نجاح الحلم الكبير للسعودية التي يشهد لها القاصي والداني رغم أنها ما زالت في بدايتها، تبعث الأمل والفخر في ارجاء عالمنا العربي.
بالتعاون بين الدول وتركيزها على ميزاتها التنافسية ستتدفق الفرص الاستثمارية إلى حدود العالم العربي، بينما المنافسة البينية هي التي ستعمل على التوظيف الأمثل للموارد ورأس المال. نجاح حلمنا الكبير السعودي سيكون بمثابة صدمة إيجابية تؤكد للجميع أن الطريق الصحيح يبدأ بوضع الاقتصاد أولا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال