الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي، توجه سمو ولي العهد السعودي إلى فرنسا يوم الأربعاء الماضي للمشاركة في قمة “الميثاق المالي العالمي الجديد”، التي تحتضنها باريس يومي 22 و23 يونيو الجاري. وتتناول القمة إصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، وتوفير الحلول الناجعة لأزمة الديون الفقيرة، وتمويل التقنية الخضراء، واقتراح أدوات ضرائب وتمويل دولية جديدة وحقوق سحب خاصة. وتأمل قمة باريس في الاتفاق على خارطة طريق حديثة لتوحيد الجهود خلال العام الجاري استعداداً لانعقاد قمة مجموعة العشرين في الهند، والجمعيات العامة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقمة كوب 28 المعنية بتغير المناخ في الإمارات.
وتأتي هذه القمة تمهيداً لانعقاد مجموعة الدول السبع الغنية في الشهر القادم، التي فشلت في تخفيف حدة ديون الدول الفقيرة مع عجز أفقرها في تمويل تعاملها مع أزمة المناخ وتأثير هذا العجز على مجتمعاتها، خاصةً وأن الدول الغنية أخلت بتعهداتها القاضية بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لمعالجة أزمة المناخ، مما أدى لتعثر محادثات المناخ العالمية.
كما تأتي هذه القمة في الوقت الذي تقوم الدول الغنية بتوفير مليارات الدولارات لتأجيج الحروب، بينما تخل بتعهداتها في توفير نصف ما تحتاجه الأمم المتحدة لأكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً. وكانت مجموعة السبع قد تعهدت في بيانها المشترك بتوفير 21 مليار دولار للتصدي للأزمات الإنسانية المتفاقمة في العام الجاري بما في ذلك الاستجابة لأزمة الغذاء الملحة، علماً بأن الأمم المتحدة كانت قد حددت حاجتها لما يقارب من 55 مليار دولار لحد من هذه الأزمات.
ونظراً لأن قمة باريس ستناقش العديد من المواضيع الشائكة التي تواجه العالم، وأهمها موضوع ديون الدول الفقيرة وخاصة الأفريقية، إضافةً لمواضيع التغير المناخي وتباطؤ الحد منه، وتراجع سلاسل الإمداد الغذائية ووسائل معالجتها، فمن الضروري تسليط الضوء على هذه المواضيع للتعرف على مدى خطورتها وتشعبها.
ويأتي موضوع ديون الدول الفقيرة على رأس جدول أعمال قمة باريس حيث حذر صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر مطلع العام الجاري من تضاعف ديون الدول الإفريقية الخارجية 005% خلال العقدين الماضيين، لتصل في نهاية 2022 إلى نحو تريليون دولار. وتتركز 66% من هذه الديون في 9 دول، تتصدرها جنوب إفريقيا بنسبة 15%، بينما تعاني 22 دولة أخرى من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، حيث تضغط أقساط الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنوياً على ميزانيات العديد من هذه الدول وتستقطع أكثر من 15% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وجاء تقرير البنك الدولي مؤيداً لتحذير صندوق النقد الدولي، ومؤكداً أن الأحداث المرتبطة بالديون الأفريقية ستضغط على أكثر من 132 مليون شخص في براثن الفقر مع خسارة الدول الأفريقية ما بين 10% إلى 15% من ناتجها الإجمالي المحلى بحلول عام 2050.
وكانت السعودية، خلال ترؤسها قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الرياض يومي 21 و22 نوفمبر2020، قد طالبت دول المجموعة بالتصدي لتحديات المستقبل، مما أدى لتعهد دول المجموعة بمبلغ يربو على 21 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية في النظام الصحي العالمي، وضخ ما يزيد على 11 تريليون دولار ضمن حزمة تحفيزية لدعم الاقتصاد العالمي. وخلال القمة أطلقت السعودية مبادرتها التاريخية الهادفة لتعليق مدفوعات خدمة الدين، لكي تتيح للدول الأكثر فقراً في هذه الفترة الحرجة، تأجيل سداد 14 مليار دولار أمريكي من الديون المستحقة عليها، مفيداً أن دول المجموعة تدرك أهمية استمرار التعاون الدولي لدعم الدول الأكثر فقراً، ودعوة بنوك التنمية متعددة الأطراف على تقديم 75 مليار دولار خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2020 للدول المستحقة للاستفادة من المبادرة التاريخية، وذلك كجزء من التزام دول المجموعة بتقديم مبلغ 230 مليار دولار للدول الناشئة والنامية لدعمها في التصدي للتحديات الناشئة من جائحة كورونا.
وفي ملف التغير المناخي ستدعو قمة باريس دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين لتقديم التزامات واضحة، تجاه توفير الحلول الناجعة لآثار تغير المناخ المدمرة. وكانت المهمة الاستقصائية للمناخ، التي أطلقتها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” في شهر يوليو الماضي، قد كشفت عن وجود أكثر من 50 مصدراً مسؤولاً عن انبعاثات فائقة لغاز الميثان الملوث للمناخ. وتوصل علماء الوكالة إلى تحديد أماكن العشرات من تلك المراكز، وهي تتوزع ما بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب غربي الولايات المتحدة. ويعد غاز الميثان أحد أهم الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بحيث يفوق بنحو 80 مرة تلك التي يحبسها غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وتحقيقاً للحد من هذه الظاهرة تعهدت 100 دولة حول العالم بتخفيض انبعاثاتها من غاز الميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030، وذلك خلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دورته السادسة والعشرين. وبناءً على ذلك، تعتزم وكالة “ناسا” مواصلة رصد الانبعاثات الملوثة لكوكب الأرض، لما تشكل انبعاثات الميثان من أهمية أساسية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. كما أن تعزيز التعاون الدولي لاستقرار أسواق الطاقة وتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمستدامة للحفاظ على إمكانية الوصول إلى درجة حرارة 1.5 درجة مئوية سيكون على رأس قائمة التحديات.
ولا شك أن جدول أعمال قمة باريس سيؤكد على تعزيز النظام الدولي الحر والمبني على أساس سيادة القانون، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، وسيادة جميع الدول على ثرواتها الطبيعية وسلامتها الإقليمية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
كما سيتم التأكيد في القمة على تعزيز مبادئ التجارة الحرة لكونها مفتاح التنمية المرنة والمستدامة ولا سيما في الدول الأكثر ضعفاً. وهنا تأتي أهمية احترام المعايير والالتزامات الدولية لحماية الأمن الاقتصادي العالمي، والتأكيد على بناء المرونة الاقتصادية العالمية، ومواجهة الممارسات الضارة التي تقوض النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد والأعراف الدولية. وسوف تطالب قمة باريس تأمين سلاسل التوريد المرنة لكي تُبنى بطريقة شفافة ومتنوعة وآمنة، ومستدامة وموثوقة. وسيكون لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بالاتجار بالمخدرات ومكافحة الفساد، التزاماً نافذاً وفعالاً للتأكيد على ضرورة مواجهة هذه الآفات الجنائية الخطرة.
ونظراً لأن الأمن الغذائي والمائي، بما في ذلك توفر سلاسل الإنتاج والأسمدة وإمدادات الطاقة، يتأثر سلباً نتيجة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والصراعات المسلحة والحروب التجارية، فإن القمة ستركز على أهمية اعتماد تدابير لبناء إمدادات أكثر مرونة واستدامة، وتعزيز الجهود للوقاية من جميع أشكال سوء التغذية وعلاجها ومن خلال تكثيف مساعدتنا للبلدان والمناطق والسكان المتضررين.
ونظراً لكون السعودية دولةً مهمةً وذاتَ ثقلٍ عالميٍّ، فإن دعوتها لقمة باريس تأتي لكي تتبادل القوى العالمية الكبرى المنافع والمصالح مع المملكة، وتساهم معها في تحقيق طموحات العالم وأهدافه برؤية واضحة وخبرة ناضجة، تؤهل السعودية بجدارة لتصبح عضواً فعالاً في قمة “الميثاق المالي العالمي الجديد” المنعقدة في باريس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال