الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعرّف الشخصنة على أنها الحكم على الآخرين، أو على أفكارهم، ووجهات نظرهم، وتصرفاتهم، من مُنطلق شخصيّ أو رؤية شخصيّة. فتقبل الرأي قد يُبنى على تقبّل الشخص ومحبته حتى وإن كانت فكرته مغلوطة.
عند إعدادي لهذا المقال بحثت في تعريف الشخصنة كثيراً لأجد العديد من التعريفات والتي أعجبني منها ما ارتبط في علم المنطق تحت عنوان المغالطات المنطقية. من ضمن تلك المغالطات وجدت مايسمى مغالطة الشخصنة. وهي نقض ادعاء معين بمهاجمة المدعي بدلاً من نقاش الحجة التي يقدمها، مثلاً عندما تقول الأم كيف لي أن أثق برأي طبيب الأطفال حول صحة ابني فهو رجل لا يعرف شعور الأمومة. في هذا المثال تتضح الشخصنة جليةً حيث ترفض الأم رأي الطبيب فقط لكونه رجلاً وليس لخللٍ في تشخيصه الطبي أو تشكيكاً في موثوقية علمه.
نتعرض من حين لآخر لكثير من هذه المواقف في حياتنا اليومية وبالأخص في بيئة العمل حيث يسميها البعض شخصنة الخلافات. سأعرض هنا بعض الأمثلة التي نراها في بيئات العمل والتي من المؤكد أنها مرت على الكثير وقد تمر على أي منا.
أولاً مغالطة القدح الشخصي:
من خلال عملي مع الكثير من المنظمات التقيت بأحد المديرين والذي كان يقيس مدى تقبله للأشخاص حسب بعض الميول والانتماءات الشخصية ويبني كل تعاملاته مع الناس بناءً على ذلك المبدأ، وبكل لقاءٍ كان هذا ديدنه، فمثلاً من شدة حبه للنادي الذي يشجعه (بتعصب مقيت) تراه لا يتقبل أولئك الذين يشجعون النادي المنافس وبناءً على تلك المشاعر تجد قانون التركيز يعمل عنده بشكل سلبي جداً فلا يستحسن أي ملاحظات أو مقترحات أو انتقادات تأتي من أولئك الناس حتى لو كانت في قالب مصلحة العمل ليس لسوءٍ فيهم بل فقط لأجل ذلك التوجه الشخصي (التعصب الرياضي).
ثانياً مغالطة تسميم البئر(أو ما يسمى بشخصنة التعميم).
تجد موظف أو مدير لديه قانون تحويل الاستثناء إلى قاعدة حيث يبنى انطباعه الشخصي عنك بناءً على موقف واحد (قد لا يتكرر في الحياة) ويتخذه أساساً يطلق منه جميع الأحكام عليك بل وقد يتم تقييمك في نهاية العام بناءً على ذلك الموقف. أذكر في هذا الصدد أحد زملاء العمل (سابقاً)، كان يعتبر أي ملاحظة تخص العمل بمثابة انتقاد شخصي له وتشكيك في قدراته وطعن في نزاهته.لا يقبل أي نوع من المقترحات الرامية للتحسين والتطوير، وقد بلغ من الحساسية المفرطة أن جميع من حوله يتفادى مواجهته بالواقع وانتقاده لدرجة أنهم أصبحوا يجاهرون بمجاملته والتطبيل له لعلمهم أن هذا هو الأسلوب الوحيد الناجع معه.
ثالثاً مغالطة شخصنة الخطأ: وهي أشد وطئاً من مغالطة القدح الشخصي.
في أحد الأيام (قبل سنوات) ذهبنا إلى أحد الجهات الحكومية كممثلين للشركة لبحث سبل التعاون مع تلك الجهة المهمة. حدث خطأ بسيط في التنسيق من موظفي تلك الجهة في بوابة الدخول وانتظرنا قليلاً ( دقائق معدودة) مما أثار غضب مديرنا وقتها وبدأ بالتذمر والتسخط وانتقاد تلك الجهة من حراسها إلى إدارتها العليا، ومما زاد الطين بلة أنه عندما بدأنا الاجتماع مع إدارة تلك الجهة المحترمة بدأ هو بوابل من كلمات اللوم والنقد الجارح لهم جميعاً (من باب ما أخليها بنفسي) وقضى مايقارب ٢٠ دقيقة يعطيهم دروساً في مثاليات هو أبعد ما يكون عنها في التعامل اليومي. أعجبني موقف القياديين في تلك الجهة حيث كانوا على قدر كبير من الاحترام والهدوء والاحترافية وزاد إعجابي لتقبلهم للنقد (المبالغ والبجيح نوعاً ما) كما أنهم اعتذروا اعتذاراً لبقاً في غاية الأدب أرى أن مديرنا لم يكن يستحقه في ذلك الموقف.
باختصار، لا تدخل الشخصنة في بيئة عمل إلا وتقلب كيانها وتشتتها عن الإنجاز وتبعدها عن تحقيق الأهداف وتقتل الإبداع فيها وتحرق كفاءاتها وتخلق العداوات والمعارك التي لايكون فيها رابح أو مستفيد من أي الأطراف.
وأختم بقول الدكتور عبدالله الغذامي : “اختلاف الرأي لا يُفسد الود فحسب، بل إنه يكفّر ويقتل ويفرّق، والتاريخ بقديمه وحديثه يشهد بذلك، وكما هي الكلمة القديمة “وإن الحرب أولها الك
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال