الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل البدء بالحديث عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة ، فإن أول سؤال يفرض نفسه ويستحق الإنصات له هو : كيف يمكن تفسير طبيعة الحالة الصناعية في المملكة العربية السعودية ؟
فهل (1) أحداثها ليس لها اطراد أو نسق عام تصاعدي وبالتالي لايمكن إلا وصفها ورصد أحداثها دون الإتفاق على تفسير لها( حالة النمو العشوائي ) ؟
أم (2) أن النمو الصناعي المحلي يحدث على شكل سلسلة من الطفرات ، لا ترابط جذري بين تسلسل حلقاتها المتتابعة إلا انتهاز الفرص الاقتصادية من قبل بعض المستثمرين ورجال الأعمال ذوي الخلفيات المختلفة وبشكل مؤقت( حالة الطفرات الصناعية المتتابعة ).
أو (3) أن التطور الصناعي المحلي يسلك خطاً تصاعدياً ومساراً تراكمياً يعضد الآخِرُ فيه مايسبقه ويبنى اللاحق فيه على منجزات سلفه بغض النظر عن تفاعلات التطور الصناعي ودينامياته الداخلية ؟( حالة النمو الصناعي المتراكم ).
أم (4 ) أن البيئة الصناعية الوطنية بيئة متكاملة متعاضدة متناغمة متآزرة بين أركانها الأساسية في القطاعين العام والخاص وتنمو نمواً صحياً حسب أهداف ديناميكية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى واضحة ومحددة ومحفوظة المدخلات والمخرجات وتمثل العمود الفقري للناتج الوطني المحلي.( حالة الجسد الصناعي الحي).
والآن وقبل أن نبدأ بالحديث عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة وتحليلها ، فمن بين هذه الاحتمالات الأربعة ماهو الوصف الصحيح للحالة الصناعية الوطنية ، وهل نشهد ثورة صناعية حاليا؟. وهل ما تهدف إليه الاستراتيجية الوطنية للصناعة هو تحقيق نهضة صناعية شاملة قادمة تتدارك بعض هفوات السوابق وترتق ثُلْمة البدايات وعثرات النمو السريع، وتطمح لخلق ( حالة الجسد الصناعي الحي ) في ثقافة وبيئة صناعية شاملة لديها عقيدة ( ايدلوجية) صناعية إن صح التعبير ؟
بالمناسبة قد يستخدم البعض مصطلح الثورة الصناعية كترجمة لعبارة( Industrial Revolution ) وهي ترجمة مخلة لا تصف الحالة الصناعية بشكل مفهوم ودقيق. والأفضل استخدام عبارة التطور أو التقدم الصناعي أو الدورة الصناعية أسوة بالدورة الاقتصادية . المفردة الإنجليزية (revolution ) تعني أمراً جذرياً ودوّارا في نفس الوقت ، وتدل علي تقدم من مرحلة لأخرى والاستمرار على نهج تراكمي يصحح فيه حاضره ماضيه ويبني عليه مستقبله بشكل تصاعدي وهو المراد من استخدام هذا المصطلح. وهذه الترجمة لا تحقق معناها بالمفردة العربية ( ثورة) من ثار أي هاج وتغير جذريا بسبب انفعال لحظي أو حالة انتهاز زمنية ثم يحدث توقف بعد ذلك.
إن خلق الثقافة الصناعية الشاملة ( أيدلوجية صناعية ) لاتعني فقط وجودَ انسجام توافقي فكري وشعوري بين صناع القرار والصناعيين والمستثمرين وتشاركاً فيما بينهم في الهموم القريبة والأهداف الآنية الفردية . ولكن المقصود بذلك هو حالة شمولية عميقة من التضافر والتعاضد والروح الواحدة التي تسير بخطى واضحة وأهداف محددة تتناغم فيما بينها في بيئة ذات أبعاد علمية واقتصادية نفعية وحالات تنافسية دولية وتطلعات استراتيجية واضحة ومرنة وقابلة للتصحيح و تتميز بطابع التحدي والعزم وتتمايز عن غيرها بقيمها المضافة وحوكمتها الصارمة.
تبدأ الثقافة الصناعية الشاملة على مقاعد الدراسة وفي أذهان الطلبة وتنمو معهم في أطوار التمهين الجامعية ، ثم تمر في معامل البحث والتطوير الأساسي والتطبيقي وحيازة التقنية، والتشريعات الديناميكية المتجددة والجودة المُنَافِسة والتموضع الصناعي الاستراتيجي المتفرد عن الغير مُنْتَجاً و تكلفةً مستندة على الروح التنافسية الوثابة والدعم الحكومي وسهولة الوصول لرؤوس الأموال اللازمة. هذا الجسد الصناعي الحي المُسْتَهدف بأبعاده الاجتماعية والتعليمية والعلمية والسيكولوجية والاقتصادية وأهدافه الوطنية الأمنية والسياسية يجب أن تتداعى له سائر أعضائه لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتي يمكن تحقيقها وزيادة ببث الروح الحية في هذا الجسد الصناعي المتكامل.
وبناءً على هذا المفهوم وتمكيناً وتقريراً له سيكون حديثنا القادم عن أول مواضيع الاستراتيجية الوطنية للصناعة هو ( وصف للحالة الصناعية الوطنية الآنية ) حتى نتمكن بعد ذلك من نقاش الأهداف الاستراتيجية الثلاثة للصناعة الوطنية ومن ثم تفاصيل الخطة الاستراتيجية بشكل مفصل – بمشيئة الله – وكيف يمكن أن تسهم خطتنا الوطنية الطموحة في خلق البيئة الشاملة والحاضنة لنمو الجسد الصناعي الحي المأمول.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال