الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتضمن المساعدات الإنمائية الدولية عددا من الأدوات والمناهج التمويلية، وتبرز القروض التنموية كأكبر هذه الأدوات إسهاما في المساعدات التنموية وهناك المنح المباشرة والمساعدات الإنسانية وتلك الأدوات تقوم بها وتشرف عليها الحكومات والقطاعات العامة في مختلف الدول. وهناك الاعمال الخيرية والتبرعات والاوقاف وتأتي من القطاع الخاص ومن الأفراد إسهاما في المسؤولية الاجتماعية. وتطورت مناهج تمويل المساعدات التنموية في الالفية الحالية لخلق مصادر تمويل مبتكرة ومرنة وذات فاعلية وتأثير أكبر لصالح المستفيدين والمانحين على حد سواء ليتم إطلاق مزيج من التمويلات والاعمال المشتركة بعيدا عن المعونات التقليدية وإتباع وسائل تنفيذ تتم في ظل حوكمة متينة تفاديا لعدم توجيه المساعدات لغير مستحقيها او تدعم أنشطة الإرهاب أو تعزز من الديكتاتورية أو تكون بيئة جاذبة للفساد المالي والإداري.
ولذلك تطور حجم المساعدات الإنمائية الرسمية بشكل كبير جدا خلال السنوات العشرين الأخيرة وتم رصد زيادات كبيرة جدا بحجمها وهي التي يتم تسجيلها وفقا لإجراءات متفق عليها من قبل الجهات الرقابية على رصد وتقييم ومراقبة المساعدات الإنمائية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وهي تشدد على إتباع الحوكمة المؤسسية وتحدد ذلك من خلال أن الحوكمة المؤسسية المتينة تساعد على بناء بيئة من الثقة والشفافية والمساءلة اللازمة وتسهم بتعزيز الاستثمار طويل الأجل والاستقرار المالي ونزاهة الأعمال، وبالتالي دعم نمو أقوى ومجتمعات أكثر شمولاً، وكذلك تقوم منصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة (FTS) بإصدار تقارير عن المساعدات الرسمية المقدمة من الدول والجهات المانحة.
تبين بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول التعاون الإنمائي تضاعف حجم المساعدة الإنمائية الرسمية منذ عام 2000م، وهو العام الذي اعتمدت فيه الأمم المتحدة الأهداف الإنمائية الألفية MDGs الى أكثر من الضعف عند اعتماد أهداف التنمية المستدامة في عام 2015م، ووصلت التدفقات من دولة إلى أخرى إلى مستويات قياسية على مدار ثلاثة أعوام متتالية من عام 2020م الى 2022م، وتمثل هذه التدفقات أكبر حصة من المساعدة الإنمائية الرسمية وساهم التزام الدول بالاستجابة لجائحة كوفيد-19 وما تلاه من الإنفاق على التعافي من هذه الجائحة، أن كانت عوامل إضافية لزيادة حجم المساعدات في الأعوام المشار إليها. وقد نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بيانات أولية حول المساعدات الإنمائية الرسمية الممنوحة، التي تشير إلى أن مجموع المبالغ التي قدمتها الدول الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية ارتفع في عام 2022م بما نسبته 13.8% عن العام السابق ليبلغ 204 مليارات دولار أمريكي، وهذا الرقم تحت المراجعة والمتابعة مع الدول والكيانات المانحة وهو قابل للزيادة مع مرور الوقت عطفا على إجراءات تسجيل المساعدات. وقد كان حجم المساعدات التنموية الرسمية بلغ 185 مليار دولار في عام 2021م وسجل 162.2 مليار دولار في عام 2020م فيما سُجلت في عام 2019م مساعدات بمقدار 151 مليار دولار. ويلاحظ انه حجم المساعدات قفز بما نسبته 35% خلال أربعة أعوام من عام 2019م الى الرقم المسجل لعام 2022م. هو ما أشير إليه أن ارتفاع حجم المساعدات الإنمائية خلال السنوات الأخيرة يعود إضافة الى زيادة الانفاق على التعافي من جائحة كوفيد-19 الى دعم الأنشطة والجهود ذات الصلة، يضاف الى ذلك تكلفة التعامل مع ملف اللاجئين، والمساعدات المقدمة الى أوكرانيا من ضمن أسباب ارتفاع المساعدات الإنمائية الرسمية وكذلك ارتفاع مساهمات الدول في المنظمات الدولية في عام 2022م
وبالنظر إلى أكبر الدول المانحة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد أعلى الدول المانحة في العالم في عام 2022م واستمرت في الحفاظ على موقعها في تصدر الجهات المانحة بمساهمة تبلغ 55.3 مليار دولار أمريكي تليها ألمانيا (35 مليار دولار أمريكي) واليابان (17.5 مليار دولار أمريكي) وفرنسا (15.9 مليار دولار أمريكي) والمملكة المتحدة (15.7مليار دولار أمريكي) وتبلغ اجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي الأخرى (23 مليار دولار). الجدير بالإشارة أن الولايات المتحدة الامريكية كونها أكبر الدول المانحة، إلا أن إنفاقها على المساعدات انخفض بنسبة 7% مقارنة بالسنة السابقة، كما خفضت كلاً من ألمانيا والمملكة المتحدة إنفاقهما على المساعدات في الفترة ذاتها. كما انه لوحظ في عام 2022م ارتفاع كبير في النمو السنوي للمساعدات في بعض الدول الأوروبية حيث يعزى ذلك إلى تقديم المساعدات للاجئين فقد زادت بولندا مساعداتها بما نسبته (255.6٪) عن العام السابق وجمهورية التشيك (167.1٪) وأيرلندا (125.1٪) وليتوانيا (121.6٪) وسلوفينيا (48.7٪) والنمسا (36.2٪) .
وعلى مستوى الالتزام بهدف الأمم المتحدة تخصيص 0.7% أو أكثر من دخلها القومي الإجمالي كمساعدات إنمائية رسمية، فقد بلغ متوسط إنفاق دول لجنة المساعدات الرسمية ما نسبته 0.36% من الدخل القومي الإجمالي لتلك الدول كمساعدات إنمائية رسمية وبالتالي فان هذه الدول مجتمعة لم تحقق هذا الهدف لهذا العام ايضا. وعلى المستوى الفردي للدول فقد حققت خمس دول فقط في عام 2022م نسبة اعلى من هدف الأمم المتحدة وهي لوكسمبرج بما نسبته 1% من دخلها القومي الإجمالي أنفق على المساعدات الإنمائية، تليها السويد بما نسبته 0.9% والنرويج بنسبة 0.86% ثم ألمانيا بنسبة 0.83% واخيرا الدنمارك بنسبة 0.7% ثم تأتي بقية دول لجنة المساعدات الرسمية بنسب مساهمة متفاوتة تقل 0.7% من دخلها القومي الإجمالي كمساعدات إنمائية رسمية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الامريكية تعد الدولة المانحة الأعلى على مستوى العالم، إلا أن نسبة تلك المساعدات إلى إجمالي الناتج القومي تعادل 0.22% وهي أقل من النسبة المستهدفة من الأمم المتحدة.
ويبرز تساؤل هام؛ اين اتجهت هذه المساعدات؟ وما هي أكثر الدول استفادة؟، لقد حظيت قطاعات التعليم والصحة والسكان بما يقارب من 22.8% من إجمالي تلك المساعدات الإنمائية ثم قطاعات البنية الاجتماعية الأخرى بنسبة 17.2% ثم قطاعات البنية التحتية الاقتصادية بنسبة 15% تليها المساعدات الإنسانية بنسبة 14.3% والمساعدات الموجه للقطاعات المتعددة بما نسبته 8.4% والقطاعات الإنتاجية بنسبة 6% وتوزعت النسبة المتبقية على تمويل البرامج المساعدة بـ 2.4% والقطاعات غير المصنفة بـ 13.3%واخيرا 0.6%للتخفيف من أعباء الديون.
وتشير إحصاءات متوسط المساعدات لعامي 2020و2021م أن أكبر عشرة دول متلقية للمساعدات تقف على رأسها الهند التي حصلت على 4.49 مليار دولار كمتوسط سنوي للعامين المشار اليهما، تليها بنجلاديش (3.46مليار دولار) ثم أفغانستان (2.88مليار دولار) واندونيسيا (2.82مليار دولار) واثيوبيا (2.44مليار دولار) وتبرز الأردن كأكبر المتلقين من الدول العربية للمساعدات بما قيمته 2.38مليار دولار وتليها سوريا (2.35مليار دولار) ثم كولمبيا والفلبين (1.98مليار دولار) وأخيرا الصومال (1.91مليار دولار).
وقد حققت المملكة العربية السعودية هدف الأمم المتحدة تخصيص على الأقل 0.7% من دخلها القومي الإجمالي كمساعدات إنمائية رسمية، إذ سجلت في عام 2022م حوالي 6 مليار دولار وهو ما يعادل 0.74% من دخلها القومي الإجمالي على المساعدات، وتعد ثاني اكبر مانح من الدول غير الأعضاء بلجنة المساعدات الإنمائية الرسمية بعد تركيا التي بلغت نسبة مساعداتها 0.79% من اجمالي ناتجها القومي بقيمة تبلغ 7.2 مليار دولار. وقد حققت المملكة في سنة 2021م نسبة بلغت 1.01%من اجمالي الناتج القومي، وعلى الرغم من هذا التراجع، لا تزال المملكة العربية السعودية إحدى الجهات المانحة الرائدة عالمياً، وقد بلغت مساعدات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2022م ما قيمته 1.4 مليار دولار سجلتها الامارات العربية المتحدة و800 مليون دولار من دولة قطر و700 مليون دولار من دولة الكويت وجميعها لم تحقق هدف الأمم المتحدة. وستصدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأرقام النهائية والمفصلة حول المساعدات الإنمائية الرسمية الممنوحة في عام 2022 في شهر ديسمبر.
وفي المقال القادم سيتم بحول الله تسليط الضوء على الأرقام والاحصائيات حول اتجاهات المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من المملكة والدول والقطاعات التي تلقت تلك المساعدات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال